بسم الله الرحمن الرحيم
مدخــــل لدراســـة
" المعتقــــد الصحيـــح "
==================
إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه ، ونسـتهديه ، ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله مـن شـرور أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ، ومـن يضلـل فـلا هـاديَ لـه .
وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ، وأشـهد أن محمـدًا عبـده ورسـوله ثـم أمـا بعـد :
خلـق الله تعـالى الإنسـان ، وسـخر لـه كـل مـا فـي الكـون ليقـوم الإنسـان بالمهمـة التـي خلقـه الله تعـالى مـن أجلهـا .
قـال تعالـى : { وَسَخـَّرَ لَكُـم مَّـا فِـي السَّـمَاوَاتِ وَمَـا فِـي الأََرْضِ جَمِيعـاً مِّنْـهُ ... } .
سورة الجاثية / آية : 13 .
تلـك المهمـة هـي : عبـادة الله تعالـى وحـده دون سـواه ... قـال تعـالى :
{ وَمَـا خَلَقْـتُ الْجِـنَّ وَالإِنـسَ إِلاَّ لِيَعْبُـدُونِ * مَـا أُرِيـدُ مِنْهُـم مِّـن رِّزْقٍ وَمَـا أُرِيـدُ أَن يُطْعِمُـونِ } . سورة الذاريات / آية : 56 ، 57 .
ومـن أجـل ذلـك خلـق الله تعالـى الإنسـان مفطـورًا علـى معرفتـه وتوحيـده وإن كـان يجهـل كيفيـة عبادتـه سـبحانه ومـا الـذي يرضيـه أو يسـخطه ، فأرسـل الله الرسـل وأنـزل الكتـب ليبينـوا للنـاس كيـف يعبـدون ربهـم ويرضونـه ويتجنبـون سـخطه سـبحانه وتعالـى .
وهـذا هـو الديـن ، فالديـن هـو هـذا المنهـج الـذي أنزلـه الله تعالـى علـى رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ليبيـن للخلـق كيـف يعبـدون ربهـم .
فالحكمـة من خلـق الجـن والإنـس ، هـي عبـادة الله ، لا أن يتمتعـوا بالمآكـل والمشـارب والمناكـح ..... .
وورد فـي القـول المفيـد علـى كتـاب التوحيـد ج : 1 / ص : 56 :
والعبـادة الخالصـة الحقـة ، مبنيـة علـي التوحيـد ، فكـل عبـادة لا توحيـد فيهـا فهـي باطلـة .
عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" قـال الله تعالـى : أنـا أغنـى الشـركاء عـن الشـرك ، مـن عمـل عمـلاً أشـرك فيـه مَعِـيَ غَيـري ، تركتـه وشـركه " . ا . هـ .
صحيح مسلم / كتاب : الزهد / باب : من أشرك في عمله غير الله / حديث رقم : 2289 .
وقـد بقـي النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي مكـة بعـد البعثـة ثلاثـة عشـرَ عامـًا يدعـو النـاس إلـى التوحيـد ، وإصـلاح العقيـدة ، لأنهـا الأسـاس الـذي يقـوم عليـه بنـاء الديـن .
وقـد احتـذى الدعـاة والمصلحـون فـي كـل زمـان حـذو الأنبيـاء والمرسـلين ، فكانـوا يبـدءون بالدعـوة إلـى التوحيـد ، وإصـلاح العقيـدة ، ثـم يتجهـون بعـد ذلـك إلـى الأمـر ببقيـة أوامـر الديـن .
والعبــادة حتـى تكـون مقبولـة لهـا شـرطان :
1 ـ الإخـلاص : وذلـك بألا يـراد بهـا إلا وجـه الله تعالـى وهـذا لا يتأتـى إلا بدراسـة التوحيـد .
2 ـ صوابًـا ( أي : المتابعـة ) : وذلـك بـأن تكـون العبـادة علـى الكتـاب والسـنة الصحيحـة .
وهـذا يتأتـى بتعلـم العلـم الشرعـي بمقاصـده الشرعيـة الصحيحـة ، بـأن يـراد مـن تعلـم العلـم أن يكـون وقـودًا للإيمـان فيزيـده ، وأن يكـون علـى المنهـج الصحيـح وذلـك باتبــاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
· والسـلف الصالـح خيـر مـن حقـق الاتبـاع .
ـ فحيـن خَلُصَـت نفـوس المؤمنيـن بـ " لا إله إلا الله " مـن ألـوان الشـرك المختلفـة ، فقـد حـدث فـي نفوسـهم تحـول هائـل ... كأنـه ميـلاد جديـد .
لـم يكـن مجـرد التصديـق ، ولا مجـرد الإقـرار ... لقـد كـان كأنـه إعـادة ترتيـب ذرات نفوسـهم علـى وضـع جديـد ، كمـا يعـاد ترتيـب الـذرات فـي قطعـة الحديـد ، فتتحـول إلـى طاقـة مغناطيسـية كهربائيـة ... كـان الاهتـداء إلـى " الحـق " هائـل الأثـر فـي كـل جوانـب حياتهـم .
لقـد صـارت " لا إله إلا الله " هـي مفتـاح التجمـع والافتـراق ، هـي الربـاط الـذي يربـط القلـوب التـي آمنـت بهـا ، ويفصـل بينهـا وبيـن غيرهـا مـن القلـوب .
ـ ولـم ينحصـر مفهـوم " لا إله إلا الله " فـي حسـهم فـي نطـاق الشـعائر التعبديـة وحدهـا ، كمـا انحصـر فـي حـس الأجيـال المتأخـرة التـي جـاءت بفهـم للإسـلام غريـب عن الإسـلام .
إن شـعائـر التعبـد لا يمكـن بداهـةً أن تكـون هـي كـل " العبـادة " المطلـوبـة مـن الإنســان .
فمـا دامـت غايـة الوجـود الإنسـاني كمـا تنـص الآيـة الكريمـة ، محصـورة فـي عبـادة الله .
{ وَمَـا خَلَقْـتُ الْجِـنَّ وَالإِنـسَ إِلاَّ لِيَعْبُـدُونِ } . سورة الذاريات / آية : 56 .
فأنـى يستطيـع الإنسـان أن يوفـي العبـادة المطلوبـة بالشعـائر التعبديـة فحسـب ؟
كـم تستغـرق الشعـائر مـن اليـوم والليلـة ؟ وكـم تستغـرق مـن عمـرالإنسـان ؟
وبقيـة العمـر؟ وبقيـة الطاقـة ؟ وبقيـة الوقــت ؟ أيـن تُنفَـق ، وأيـن تذهــب ؟
ـ كـان فـي حسـهم أن حياتهـم كلهـا عبــادة ، وأن الشعـائر إنمـا هـي لحظـات مركـزة ، يتــزود
الإنسـان فيهـا بالطاقـة الروحيـة التـي تعينـه علـى أداء بقيـة العبــادة المطلوبـة منـه .
كانـوا يقومـون بالعبـادة وهـم يمارسـون الحيـاة فـي شتَّـى مجالاتهـا ، كانـوا يذكـرون الله فيسـألون أنفسهـم : هـل هـم فـي الموضـع الـذي يُرضـي الله ، أم فيمـا يُسـخط الله ؟ !
فإن كانـوا فـي موضـع الرضـى حمـدوا الله ، وإن كانـوا علـى غيـر ذلـك اسـتغفروا الله وتابـوا إليـه .
ـ وكانـوا يذكـرون اللـه ، فيسـألون أنفسـهم : مـاذا يريـد الله منـا فـي هـذه اللحظـة ؟ !
أي : مـا التكليـف المفـروض علينـا فـي هـذه اللحظـة ؟ !
§ إذا كـان التكليـف : { ... وَعَاشِـرُوهُنَّ بِالْمَعْـرُوفِ ... } . سورة النساء / آية : 19 .
كـان ذكـر الله مؤديـًا إلـى القيـام بهـذا الواجـب الـذي أمـر بـه الله تجـاه الزوجـات .
§ وإذا كـان التكليـف : { ... قُـوا أَنفُسَـكُمْ وَأَهْلِيكُـمْ نَـاراً ... } . سورة التحريم / آية : 6 .
كـان ذكـر الله مؤديـًا إلـى القيـام بتربيـة الأهـل والأولاد علـى النهـج الربانـي الـذي يضبـط سـلوكهم بالضوابـط الشـرعية .
§ وإذا كـان التكليـف : { ... فَامْشُـوا فِـي مَنَاكِبِهَـا وَكُلُـوا مِـن رِّزْقِـهِ وَإِلَيْـهِ النُّشُـورُ } .
سورة الملك / آية : 15 .
كـان مقتضـى ذكـر الله ، هـو المشـي في مناكـب الأرض وابتغـاء رزق الله في حـدود الحـلال الـذي أحلَّـهُ الله ، لأنـه إليـه النشـور فيحاسـب النـاس علـى مـا اجترحـوا في الحيـاة الدنيـا .
وهكـذا ... فقـد فهمـوا أن الصـلاةَ والنُّسُـك ( أى : الشـعائر ) إنمـا هـي المنطلـق الـذي ينطلـق منـه الإنسـان ليقـوم ببقيـة العبـادة التـي تشـمل الحيـاة كلهـا ، بـل المـوت كذلـك .
فالشـعائر مجـرد محطـات شـحن للانطـلاق إلـى بقيـة العبـادة ، ويشمـل ذلـك المـوت .
المـوت فـي حـد ذاتـه لا يمكـن أن يكـون عبـادة بطبيعـة الحـال ، لأنـه لا خيـار للإنسـان فيـه ... ولكـن المقصـود فـي قولـه تعالـى :
{ ... وَمَحْيَـايَ وَمَمَاتِـي للهِ رَبِّ الْعَالَمِيـنَ * لاَ شَـرِيكَ لَـهُ ... } .
سورة الأنعام / آية : 162 ، 163 .
هـو أن يمـوت الإنسـان غيـر مشـرك بالله ، وذلـك هـو الحـد الأدنـى الـذي يكـون بـه الإنسـان ( فـي موتـه ) عابـدًا لله ، أمـا الحـد الأعلـى فهـو أن يكـون موتُـه فـي سـبيل الله ، أمـا اليـوم فقـد حدثـت انحرافـات كثيـرة فـي حيـاة المسـلمين ، وانحـراف المسـلمين فـي سـلوكهم أمـر واضـح ، تفشَّـى فـي حياتهـم الكـذب والغـش والنفـاق ، والضعـف والجبـن والبـدع والمعاصـي والتبلُّـد والفجـور والمنكـر ...
ـ فهـذا واقــع المسـلمين ومـع ذلـك فليـس الانحـراف السـلوكي هـو الانحـراف الوحيــد فـي حيـاة
المسـلمين ، ولكـن الأمـر تجـاوز ذلـك إلـى الانحـراف فـي " المفاهيـم " كـل مفاهيـم الإسـلام الرئيسـية
ابتـداءً مـن مفهـوم ( لا إله إلا الله ) .
وحيـن تجـد إنسـانًا منحرفـًا فـي سـلوكـه ، ولكـن تصـوره لحقيقـة الديـن صحيـح ، فسـتبذل جهـدًا مـا لـرده عـن انحرافـه السـلوكي ، ولكنـك لا تحتـاج أن تبـذل جهـدًا فـي تصحيـح مفاهيمـه ، لأنهـا صحيحـة عنـده وإن كـان سـلوكه منحرفـًا عنهـا .
أي : أنه حيـن يقـع الانحـراف فـي المفاهيـم ذاتهـا ، فكـم تحتـاج مـن الجهـد لتصحيـح المفاهيـم أولاً ثـم تصحيـح السـلوك بعـد ذلـك .
ـ مـن أجـل هـذا الانحـراف فـي المفاهيـم ، فـإن الإسـلام اليـوم يعانـي تلـك الغربـة التـي تَحـدَّث عنهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" بـدأ الإسـلام غريبـًا وسـيعود غريبـًا كمـا بـدأ ، فطوبـى للغربـاء " .
صحيح مسلم / ج : 2 / ص : 354 / حديث رقم : 370 .
ولقـد عـاد غريبـًا بالفعـل ..... غريبـًا بيـن أهلـه أنفسـهم ، يتصورونـه علـى غيـر حقيقتـه ، فضـلاً عـن سـلوكهم المنحـرف عنـه ، ويسـتغربونه حيـن يعـرض لهـم فـي صورتـه الحقيقيـة كمـا جـاءت فـي كتـاب الله ، وسـنة رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الصحيحـة ، وعلينـا أن نواجـه الأمـر علـى حقيقتـه ، فـإن أي جهـد يُبـذل فـي تصحيـح السـلوك وحـده مـع بقـاء المفاهيـم منحرفـة ، لـن يؤتـي ثمـاره كاملـة ، ..... ، ولـن يُخـرج الأمـة الإسـلامية مـن وهدتهـا التـي انتكسـت إليهـا فـي العصـر الحاضـر .
إنمـا نحتـاج أن نبـذل جهـدًا مضاعفـًا لإزالـة الغربـة الثانيـة ، كالجهـد الـذي بذلتـه الجماعة الأولـى مـن المسلميـن لإزالـة الغربـة الأولـى للإسـلام .
وأول مـا نبـدأ بـه مـن هـذا الجهـد ، هـو تصحيـح منهـج التلقـي .
مـن أيـن نتلقـى فهمنـا لهـذا الديـن ؟ !
مـن كتـاب الله وسـنة رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الصحيحـة بفهـم السـلف الصالـح ، وذلـك عـن طريـق علمـاء أهـل السـنة والجماعـة ، الذيـن يعتبـرون مجـرد قنـوات توصيـل للمنهـج الصحيـح .
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم : " ..... فإنـه مـن يعـش منكـم بعـدي فسـيرى اختلافـًا كثيــرًا ، فعليكـم بسـنتي وسـنة الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، تمســكوا بهـا ، وعَضُّــوا عليهـا بالنواجـذ ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور ..... " .
أخرجه أبوداود . وحسنه الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ في الجامع الصحيح مجلد رقم : 5 / ص : 24 .
فلنقتـف أثـر الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تأسـيًا بالسـلف الصالـح .
ـ فعـن عمـر بـن سـلمة الهَمْـدَانـي ـ رحمه الله ـ قـال :
" كنـا نجلـس علـى بـاب " عبـد الله بـن مسعـود " قبـل صـلاة الغـداةِ ، فـإذا خـرج مَشَـيْنا معـه إلـى المسجـد .
فجاءنـا " أبـو موسـى الأشعـري " ، فقـال : أَخَـرَجَ إليكـم " أبـو عبـد الرحمـن " بعـد ؟
قلنـا : لا .
فجلـس معنـا حتـى خـرج ، فلمـا خـرج قمنـا إليـه جميعـًا .
فقـال لـه " أبـو موسـى " : يـا " أبـا عبـد الرحمـن " إنـي رأيـت فـي المسجـد آنفـًا أمْـرًا أنكرتـه ! ولـم أرَ والحمـد للـه إلا خيـرًا .
قـال : فمـا هـو ؟
فقـال ( أي أ بـي موسـى ) : إن عشـت فسـتراه .
قـال أبـو موسـى : رأيـت فـي المسـجد قوْمـًا حِِِلَقـًا ، جلوسـًا ، ينتظـرون الصـلاة ، فـي كـل حلْقـة رجـل ، وفـي أيديهـم حصـى فيقـول : سـبَّحوا مائـة ، فيسـبحون مائـةً .
قـال ـ أي : عبـد الله بـن مسـعود ( أبـو عبـد الرحمـن ) ـ : فمـاذا قلـتَ لهـم ؟
قـال ( أي : أبـى موسـى الأشـعري ) : مـا قلـتُ لهـم شـيئًا انتظـارَ رأيـك .
قـال ( ابـن مسـعود ) : أفـلا أمرتَهـم أن يَعـدوا سـيئاتهم وضَمِنـتَ لهـم أن لا يضيـع مـن حسـناتهم شـيء ؟ ! ثـم مضـى ومضينـا معـه ، حتـى أتـى حَلْقـةً مـن تلـك الحِلَـق ، فوقـف عليهـم فقـال : مـا هـذا الـذى أراكـم تصنعـون ؟
قالـوا : يـا أبـا عبـد الرحمـن ، حصـى نَعُـدُّ بـه التكبيـر والتهليـل والتسـبيح .
قـال : فَعُـدوا سـيئاتكم ، فأنـا ضامـن أن لا يضيـع مـن حسـناتكم شـيء ، ويْحَكُـم يا أمـة محمـد ! مـا أ َسْـرعَ هلكتكـم ! هـؤلاء صحابـة نبيكـم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ متوافـرون وهـذه ثيـابـه لـم تبـل ، وآنيتـه لـم تكسـر ، والـذي نفسـي بيـده إنكـم لعلـى ملـة هـي أهـدى مـن ملـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو مفتتحـو بـاب ضلالـة ؟ ! ! !
قالـوا : والله يـا أبـا عبـد الرحمـن ، مـا أردنـا إلا الخيـر .
قـال : وكـم مـن مريـد للخيـر لـن يصيبـه ، إن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حدثنـا :
" إن قومًــا يقـرؤون القــرآن ، لا يجـاوز تراقيـهم ، يمرقـون مـن الإسـلام كمـا يمــرقُ
السـهم مـن الرميـة " .
" وايـم الله " (1) مـا أدري لعـلَّ أكثرهـم منكـم ! ثـم تولـى عنهـم .
فقـال عمـرو بـن سلمـة : فرأينـا عامـة أولئـك الحِلَـق يطاعنوننا يـوم النهـروان مـع الخـوارج .
أخرجه الدارمي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / مجلد رقم :5 / حديث رقم : 5002 .
( 1 ) " وايـم الله " : كلمـة قسـم . همزتهـا همـزة وصـل . المعجم الوجيز / ص :31 .
قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ :
وإنمـا عُنيـتُ بتخريجـه مـن هـذا الوجـه لقصـة ابـن مسـعود مـع أصحـاب الحلقـات ، فـإن فيهـا عبـرة لأصحـاب الطـرق وحلقـات الذكـر علـى خـلاف السـنة ، فإن هـؤلاء إذا أنكـرعليهـم منكـر مـا هـم فيـه ، اتهمـوه بإنكـار الذكـر مـن أصلـه ! وهـذا كفـر لا يقـع فيـه مسـلم ، وإنمـا المنكَـر مـا أُلصِـق بـه مـن الهيئـات والتجمعـات التـي لـم تكـن مشـروعة علـى عهـد النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وإلا فمـا الـذي أنكـره ابـنُ مسـعود ـ رضي الله عنه ـ علـى أصحـاب تلـك الحلقـات ؟ !
ليـس هـو إلا التجمـع فـي يـوم معيـن ، والذكـر بعـدد لـم يـرد ، وإنمـا يحصـره الشـيخ صاحـب الحَلْقـة ، ويأمرهـم بـه مـن عنـد نفسـه ، وكأنـه مُشـرِّع عـن الله تعالـى .
قـال تعالـى : { أَمْ لَهُـمْ شُـرَكَاء شَـرَعُوا لَهُـم مِّـنَ الدِّيـنِ مَـا لَـمْ يَـأْذَن بِـهِ اللهُ ... } .
سورة الشورى / آية : 21 .
ـ زد علـى ذلـك أن السـنة الثابتـة عنـه صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم فعـلاً وقـولاً إنمـا هـي التسبيـح بالأنامـل .
* ومـن الفوائـد التـي تؤخـذ مـن الحديـث ، أن العبـرة ليسـت بكثـرة العبـادة ، وإنمـا بكونهـا علـى السـنة ، بعيـدة عـن البدعـة .
وقـد أشـار إلـى هـذا ( ابـن مسـعود ) بقولـه :
" اقتصـاد فـي سـنة ، خيـرٌ مـن اجتهـادٍ فـي بدعـة " .
* ومـن الفوائـد أن البدعـة الصغيـرة بريـدٌ إلـى البدعـة الكبيـرة ، ألا تـرى أن أصحـاب الحلقـات صـاروا بعـدُ مِـنَ الخـوارج الذيـن قتلهـم الخليفـة الراشـد " علـي بـن أبـى طالـب " ؟
فهـل مـن مُعْتَبِـر ؟
نظم الفرائد / ج : 1 / ص : 211 .
=============
مفاهيــــم خاطئــــة
================
· ولنحـذر " المفاهيـم الخاطئـة " التـي قـد تقـدح فـي الإيمـان فمنهـا :
1 ـ اعتقـاد واغتـرار البعـض بـأن الأمـر بمـا وقـر فـي قلبـه ، ولا يهتـم بالظاهـر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصـواب : أن هنـاك علاقـة بيـن الظاهـر والباطـن .
فقـد ورد فـي شريـط رقـم ( 5 ) مـن لقـاءات العلامـة الألبـاني مـع الشـيخ الحوينـي الآتـي : جـاءت السـنة ـ فـي مسـند الإمـام أحمـد ـ مـن حديـث أبـي ثعلبـة الخُشَـرِي ـ رضي الله عنه ـ قـال :
" كنـا إذا سـافرنا مـع النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فنزلنـا منـزلاً تفرقنـا فـي الوديـان والشِّعـاب ، فقـال لنـا صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم ذات يـوم :
" ألا إن تفرقكـم هـذا فـي الوديـان والشعـاب مـن عمـل الشـيطان " .
قـال : " فكنـا إذا سـافرنا بعـد ذلـك ونزلنـا منـزِلاً اجتمعنـا ، حتـى لـو جلسـنا علـى بسـاط لوَسِعَنـا " .
وحـض الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ علـى الاجتمـاع ، لأن الاجتمـاع بالأبـدان والأجسـاد لـه تأثيـر فـي تجميـع القلـوب وفـي إصلاحهـا ، وذلـك ممـا جـاء التصريـحُ بـه عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي الحديـث الـذي أخرجـه الشيخـان ، مـن حديـث النعمـان بـن بشـير ـ رضي الله عنها ـ قـال :
قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" إن الحـلال بيـنٌ وإن الحـرام بيـنٌ وبينهمـا أمـورٌ مشتبهـات لا يعلمهـن كثيـر مـن النـاس ، فمـن اتقـى الشبهـات فقـد اسـتبرأ لدينـه وعرضـه ، ألا إن فـي الجسـد مضغـة إذا صلحـت صلـح الجسـد كلـه وإذا فسـدت فسـد الجسـد كلـه ألا وهـي القلـب " .
والشـاهد مـن هـذا الحديـث إنمـا هـو الفقـرة الأخيـرة منـه .
ففـي هـذا الحديـث تصريـحٌ بـأن الظاهـر مربـوطٌ بالباطـن صلاحـًا وطلاحـًا .
إذا صلـح القلـب صلـح الجسـد ، وإذا فسـد القلـب فسـد الجسـد .
فينبغـي علـى كـل مسـلم أن يهتـم بظاهـره ، وألا يغتـر بـأن الأمـر بمـا وقـر فـي قلبـه ، لأن الظاهـر عنـوان الباطـن ، هـذا ليـس كـلام علمـاء وفقهـاء فقـط ، بـل ذلـك مـا يـدل هـذا الحديـث الصحيـح عليـه .
وكذلـك مـا يـدل عليـه حديـث الأمـر بتسـوية الصفـوف .
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" لتسـوون الصفـوف أو ليخالِفَـنَّ اللهُ بيـن الوجـوه " .
فتسـوية الصفـوف أمـرٌ ظاهـر ، ربـط بـه عليـه الصـلاة والسـلام ، إذا أخـل بـه القائمـون فـي الصـف أن يضـرب الله قلـوب بعضهـم ببعـض .
لهـذا ليـس مـن الأدب فـي الإسـلام فـي شـيء إذا مـا اجتمـع طـلاب العلـم أن يجلسـوا هكـذا متفرقيـن بعضهـم عـن بعـض بـل عليهـم أن ينضمـوا .
وأخيـرًا جـاء فـي صحيـح مسـلم :
" أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ دخـل ذات يـوم المسـجد فوجـد النـاس متفرقيـن فيـه فقـال لهـم : مالـي أراكـم عِـزِيـن " .
عزيـن : أي متفرقيـن . ا . هـ .
o فائــدة مسـتخلصة ممـا سـبق :
ـــــــــــــــــــ
الإيمـان لـه ظـاهـر وباطـن ، ظاهـره : قـول اللسـان وعمـل الجـوارح .
وباطنـه : تصديـق القلـب وانقيـاده ومحبتـه .
فـلا ينفـع ظاهـرٌ لا باطـن لـه وإن حُقِـن بـه الدمـاء وعصـم بـه المـال والذريـة .
ولا يجـزئ باطـنٌ عـن ظاهـر إلا إذا تعـذر بعجـز أو إكـراه وخـوف هـلاك . فتخلـف العمـل ظاهـرًا مـع عـدم المانـع ، دليـل علـى فسـاد الباطـن وضعـف الإيمـان ، ونقصـه دليـل نقصـه ، وقوتـه دليـل قوتـه .
الفوائد لابن القيم / حاشية كتاب إرشاد الأنام / ص : 19 .
2 ـ تقسـيم الديـن إلـى قشـر ولُبَـاب :
ــــــــــــــــــــــــ
ويترتـب علـى هـذا التقسـيم : المنـاداة بنبـذ مـا أسـموه قشـرًا بدعـوى الاهتمـام باللـب .
وهـذا التقسـيم أو هـذه المقولـة حادثـة مبتدعـة ، لـم يعرفـها سـلف الأمـة ومـن تبعهـم بإحسـان .
قـال تعالـى : { يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ ادْخُلُـواْ فِـي السِّـلْمِ كَآفَّـةً ... } .
سورة البقرة / آية : 208 .
قـال الحافـظ ابـن كثيـر ـ رحمه الله ـ :
" يقـول تعالـى آمـرًا عبـاده المؤمنيـن بـه المصدقيـن برسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يأخـذوا
بجميـع عـرى الإسـلام وشـرائعه ، والعمـل بجميـع أوامـره ، وتـرك جميـع زواجـره مـا اسـتطاعوا مـن ذلـك " . ا . هـ .
عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" دعونـي ما تركتكـم ، فإنمـا أهْلـك مـن كـان قبلكـم سـؤالُهم واختلافهـم علـى أنبيائهـم ، فـإذا نهيتكـم عـن شـيء فاجتنبـوه ، وإذا أمرتكـم بشـيء فأتـوا منـه مـا اسـتطعتم " .
فتح الباري / ج : 13 / كتاب : الاعتصام / باب : الاقتداء بسنن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
مسلم ـ واللفظ للبخاري .
ولـو فُـرض جـدلاً أن مظاهـر الديـن تسـمى قشـر ، فـإن مـن يتخلـى عن " القشـرة الإسـلامية " سـيتغطى ـ ولابـد ـ بقشـرة دخيلـة مغايـرة لهـا .
فلابـد لكـل " لُـب " مـن " قشـر " يصونـه ويحميـه .
والسـؤال الآن : لمـاذا يرفضـون " قشـرة " الإسـلام ، ويرحبـون بقشـرة غيـره ، فيأكلـون بالشمـال ، ويحلقـون اللحـى ، ويُلبِّسـون النسـاء أزيـاء مـن لا خـلاق لهـن ، ويلبسـون القبعـة ، ويُدَخِّنـون " البايـب " والسـيجار ؟ .....
دعـوا السـنة تمضـى .
· تأمـل هـذا الموقـف مـن أميــر المؤمنيـن عمـر ـ رضي الله عنه ـ وهـو فـي سـياق مصيبـة المـوت الـذي هـو أعظـم حـادث ممـا يمـر علـى الجبلـة .
* عـن ابـن مسـعود ـ رضي الله عنه ـ قـال :
دخـل شـاب علـى " عمـر " ـ يعنـي بعـد مـا طُعـن ـ فجعـل الشـاب يُثنـي عليـه ، قـال : فرآه عمـر يجـر إزاره ، قـال : فقـال لـه : " يـا ابـن أخـي ! ارفـع إزارك فإنـه أتقـى لربـك ، وأنقـى لثوبـك " ؛ قـال : فكـان عبـد الله يقـول : " يـا عجبـًا لعمـر ! إن رأى حـق الله عليـه ، فلـم يمنعـه مـا هـو فيـه أن تكلـم بـه " .
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " 8 / 201 ، 202 .
* عـن يزيـد بـن عميـرة قـال : لمـا حضـر " معـاذ بـن جبـل " المـوتُ ، قيـل لـه :
يـا أبـا عبـد الرحمـن أوصنـا . قـال : أجلسـوني .
فقـال : " إن العلـم والإيمـان مكانهمـا ، مـن ابتغاهمـا وجدهمـا .
ـ يقـول ثـلاث مـرات ـ ..... " . أخرجه الإمام أحمد . وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمهُ الله ـ في الجامع الصحيح / مجلد رقم : 1 / ص : 236 .
· وهـذا " عمـرو بـن العـاص " وهـو فـي سـياقة المـوت ، بكـى طويـلاً وحـول وجهـه إلـى الجـدار
وقـال : " ..... فـإذا أنـا مُـت فـلا تصحبنـي نائحـة ولا نـار ، فـإذا دفنتمونـي فشـنوا علـيّ التـراب شـنًا ..... " .
صحيح مسلم / ج : 1 / ص : 318 / حديث رقم : 317 .
ربنـا جـل وعـلا قـد أمـر المؤمنيـن بالقيـام بمـا شـرعه مـن دينـه ـ ولـو كـان مـن القضايـا العمليـة التـي يسـمونها فروعًـا ـ فـي أشـد أوقـات الكفـاح ، وهـو وقـت الالتحـام المسـلح مـع الأعـداء فـي قولـه تعالـى :
{ وَإِذَا كُنـتَ فِيهِـمْ فَأَقَمْـتَ لَهُـمُ الصَّـلاَةَ فَلْتَقُـمْ طَآئِفَـةٌ مِّنْهُـم مَّعَـكَ وَلْيَأْخُـذُواْ أَسْـلِحَتَهُمْ فَـإِذَا سَـجَدُواْ فَلْيَكُونُـواْ مِـن وَرَآئِكُمْ وَلْتَـأْتِ طَآئِفَـةٌ أُخْـرَى لَـمْ يُصَلُّـواْ فَلْيُصَلُّـواْ مَعَـكَ وَلْيَأْخُـذُواْ حِذْرَهُـمْ وَأَسْـلِحَتَهُمْ ... } . سورة النساء / آية : 102 .
فقـدِّر يـا أخـي حفظـك الله أنـك بحضـرة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأنـه أمـرك بشـيء مما يسـميه القـوم " قشـورًا " ، أكنـت تتجاسـر أن تتقـدم بيـن يديـه ، أو ترفـع صوتـك معترضًـا عليـه ؟
إنـك حتمًـا وبمقتضـى إيمانـك ورضـاك بالله ربًـا ، وبالإسـلام دينًـا ، وبمحمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رسـولاً سـتقول لـه : " نعـم ، سـمعًا وطاعـة ، يـا مـن أفديـه بأبـي وأمـي " . فكذلـك فافعـل مـع سـنته الشـريفة بعـد وفاتـه ، فهـذا واجبـك مع سـنته إذ لـم تـدرك صحبتـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .
نـرد علـى أصحـاب بدعـة تقسـيم الديـن إلـى قشـر ولبـاب ، والمنـاداة بنبـذ مـا أسـموه قشـرًا بدعـوى الاهتمـام باللـب .
نقــول لهـم : لمـاذا إذن تحيـون حيـاة رتيبـة هنيئـة تتمتعـون فيهـا بالحاجيـات بـل الكماليـات والتحسـينيات ، تطعمـون الفواكـه ، وتتنعمـون فـي الفـرش ، وتتنزهـون فـي المتنزهـات ، وكـل هـذا لا ينكـرعليكـم ، ولا تسـتنكرونه مـن غيركـم ، هـذا ! !
فلمـاذا إذاً تضعـون العوائـق فـي طريـق السنـة ؟
فالسـكوت علـى المنكـرات سـواء فـي فـروع أو أصـول ، ظاهـر أو باطـن سـبب مـن أسـباب نـزول العقوبـات العامـة وعمـوم الفتنـة والعـذاب .
من كتاب : تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب " محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم" .
3 ـ إحـداث عبـادات ، ويُقَـال : مـا نريـد إلا الخيـر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلـك كمـا حـدث مـن أصحـاب الحلقـات عندمـا خالفــوا السـنة ، وأحدثـوا هيئـات للذكــر لـم تـرد
بالشـرع ، وأنكـر عليهـم " عبـد الله بـن مسـعود " ذلـك .
وذلـك لأن هنـاك قاعـدة هامـة وهـي :
الأصـل فـي عاداتنـا الإباحـة حتـى يجـيء صـارفُ الإباحـة .
وليـس مشـروعًا مـن الأمـور غيـرُ الـذي فـي شـرعنا مذكـور .
هـذه قاعـدة عظيمـة نافعـة ، تضمنـت " أصليـن عظيميـن " دل عليهمـا الكتـاب والسـنة فـي مواضـع .
* مثـل قولِـه تعالـى فـي " الأصـل الأول " :
{ هُـوَ الَّـذِي خَلَـقَ لَكُـم مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـاً ... } . سورة البقرة / آية : 29 .
أي : تنتفعـون بهـا بجميـع الانتفاعـات إلا مـا نُـص علـى المنـع فيـه .
* وقولِـهِ تعالـى :
{ قُـلْ مَـنْ حَـرَّمَ زِينَـةَ اللهِ الَّتِـيَ أَخْـرَجَ لِعِبَـادِهِ وَالْطَّيِّبَـاتِ مِـنَ الـرِّزْقِ ... } .
سورة الأعراف / آية : 32 .
فأنكـر تعالـى علـى مـن حـرم مـا خلـق الله لعبـاده مـن المآكـل والمشـارب والملابـس ونحوهـا .
* ومثـل قـول الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي قصـة تأبيـر النخـل .
وفيـه قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " أنتـم أعلـم بأمـر دنياكـم " . مسلم .
ووجـه الدلالـة :
أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رد الأمـر فـي التعامـل فـي الزراعـة إلـى الخلـق ، وجعلـه ليـس مـن جنـس الشـرع الـذي يتوقـف فيـه حتـى يأتـي الأمـر مـن الـرب سـبحانه .
* ومثـل قولـه تعالـى فـي " الأصـل الثانـي " :
{ أَمْ لَهُـمْ شُـرَكَاء شَـرَعُوا لَهُـم مِّـنَ الدِّيـنِ مَـا لَـمْ يَـأْذَن بِـهِ اللهُ ... } .
سورة الشورى / آية : 21 .
* وقـول الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي الأصـل الثانـي :
" مـن أحـدث فـي أمرنـا هـذا مـا ليـس منـه فهـو رد " . متفق عليه .
البخاري : 2697 . مسلم : 1718 .
· العـــادات :
=========
هـي المعامـلات والعلاقـات التـي تربـط بيـن الإنسـان وأخيـه الإنسـان ، لـذا كـان الأصـل فيهـا الجـواز
إلا مـا حرمـه الله عـز وجـل علـى لسـان رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وإلا وقـع النـاس فـي ضيـق كبيـر وحـرج عسـير .
فالمعامـلات والعـادات باقيـةٌ علـى الأصـل مـا لـم تخالـف أصـلاً شـرعيًا ، أو يأتـي الصـارف الشـرعي لذلـك .
ومـن ذلـك : شـرب الخمـر ، فهـو مـن جنـس العـادات التـي حرمهـا الـرب سـبحانه .
· وأمـا العبـادات : ===========
فهـي التـي تربـط بيـن الإنسـان وربِّـه عـز وجـل لهـذا كـان الأصـل فيهـا الحظـر إلا مـا أمـر بـه الله عـز وجـل علـى لسـان رسـوله ـ صلى الله عليه وعلـى آلـه وسـلم ـ ومعنـى ذلـك : هـو أن لا يعتقـد النـاس فـي شـيءٍ أو فـي فعـلٍ أو قـولٍٍ أنـه عبـادة ، حتـى يأتـي خطـاب الشـارع بذلـك .
يقـول شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة ـ رحمه الله ـ فـي مجمـوع الفتـاوى ( 29 / 16 ـ 18 ) :
" إن تصرفـات العبـاد مـن الأقـوال والأفعـال نوعـان :
عبـادات يصلـح بهـا دينهـم ، وعـادات يحتاجـون إليهـا فـي دنياهـم ، فباسـتقراء أصـول الشـريعة تعلـم أن العبـادات التـي أوجبهـا الله أو أحبهـا لا يثبـت الأمـر بهـا إلا بالشـرع .
وأمـا العـادات فهـي مـا اعتـاده النـاس فـي دنياهـم ممـا يحتاجـون إليـه ، والأصـل فيـه عـدم الحظـر ، فـلا يحظـر منـه إلا مـا حظـره الله سـبحانه وتعالـى " .
ا . هـ .
فالأصـل فـي العبـادات المنـع حتـى نجـد دليـل .
فعليـك أن تثبـت أن العبـادة التـي تقـوم بهـا مـن شـرع الله .
فيجـب أن نتقـرب إلـى الله بمـا يحبـه الله ، وليـس بمـا تحبـه أنـت .
والله سـبحـانه لا يحـب إلا مـا شـرع .
فـإذا قلـت لشـخص مـا تفعلـه هـذا بدعـة . فيقـول لـك : هـات لـي دليـل علـى بدعيتهـا ! ! أقـول : لا . هـات أنـت دليـل أو إثبـات أنه قربـى ومـن شـرع الله .
· وتطبيـق هـذه القاعـدة :
ـ إذا ذهـب شـخص إلـى أي بلـد لتغييـر الجـو ، ومـن بـاب الضــرب فـي الأرض ، فهـذه عـادة ولا
شـيء فيهـا .
وكذلـك إذا ذهـب إلـى جبـل الطـور بنفـس النيـة ، فـلا شـيء .
ولكـن : إذا شـد الرحـال ، وذهـب إلـى جبـل الطــور تعبـدًا وزيـارة للمكـان الـذي كلـم الله موسـى عنـده ، فذلـك حـرام لأنـه عبـادة ، ولا تشـد الرحـال ( تعبـدًا ) إلا إلـى ثـلاث .
ـ إذا سـافرت إلـى طنطـا لزيـارة الأهـل ( عـادة ) ، لا شـيء فيهـا .
ولكـن إذا سـافرت مـن أجـل زيـارة مسـجد معيـن أو قبـر معيـن للتبـرك ، فذلـك يحـرم فعلـه .
ـ إذا صـام شـخص طـوال العـام يومـي الإثنيـن والخميـس ، واسـتمر فـي هـذا الصيـام حتـى فـي شـهر رجـب . فهـذا لا شـيء فيـه ومأجـور عليـه إن شـاء الله .
ولكـن إذا خـص شـهر رجـب دون أشـهر العـام بصيـام ، فهـذه عبـادة تحتـاج إلـى دليـل ، ولا يوجـد دليـل علـى تخصيـص هـذا الشـهر بصيـام .
أمـا تخصيـص شـهر شـعبان أو المحـرم بصيـام دون أشـهر العـام ، فهـذا لا شـيء فيـه لأنـه عبـادة مخصصـة بدليـل .
فقـد ورد فـي تخصيص شـهر شـعبان بالصيـام :
" عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت : مـا رأيـت رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ اسـتكمل صيـام شـهر قـط إلا شـهر رمضـان ، وما رأيتـه في شـهر أكثـر منه صيامـًا في شـعبان " .
متفق عليه .
( البخاري : 1969 / 213 / 4 ) ( مسلم : 1156 ـ 175 / 810 / 2 ) .
وورد فـي تخصيص شـهر المحـرم بصيـام :
عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" أفضـل الصيـام بعـد رمضـان شـهر الله المحـرم ، وأفضـل الصـلاة بعـد الفريضـة صـلاة الليـل " . صحيح سنن أبى داود : 2122 . مسلم .
4 ـ الخلـط بيـن " التصديـق " ومجـرد المعرفـة ، فليـس كـلَّ عالـم معتقـدًا . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نمـوذج للمعرفــة التـي لا تعتبــر تصديقًــا
=============================
عـن محمــود بـن لبيـد أخـي بنــي عبـد الأشـهل عـن سـلمة بـن سـلامة بـن وقـش ـ وكـان مـن أصحـاب بـدر ـ وقـال : كـان لنـا جـار مـن يهـود فـي بنـي عبـد الأشـهل .
قـال : فخـرج علينـا يومـًا مـن بيتـه قبـل مبعـث النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بيسـير ، فوقـف علـى مجلـس عبـد الأشـهل .
قـال سـلمة : وأنـا يومئـذ أحـدث مـن فيـه سِـنًا علـى بـردة مضطجعـًا فيهـا بفنـاء أهلـي ، فذكـر البعـث والقيامـة والحسـاب والميـزان والجنـة والنـار ، فقـال ذلـك لقـومٍ أهـل شـركٍ أصحـاب أوثـانٍ لا يـرون أن بعثـًا كائـنٌ بعـد المـوت .
فقالـوا لـه : ويحـك يا فـلان ، تـرى هـذا كائنـًا ، أن النـاس يُبعثـون بعـد موتهـم إلـى دارٍ فيهـا جنـة ونـار يجـزون فيهـا بأعمالهـم ؟ قـال : نعـم ، والـذي يُحلَـفُ بـه لَـوَدَّ (1) أن لـه بحظـه (2) مـن تلـك النـار أعظـمَ تنـورٍ فـي الدنيـا يحمُّونَـهُ ، ثـم يدخلونـه إيـاه فيُطْبَـقُ بـه عليـه وأن ينجـو مـن تلـك النـار غـدًا .
قالـوا لـه : ويحـك ، ومـا آيـة ذلـك ؟
قـال : نبـي يبعـث مـن نحـو هـذه البـلادِ ، وأشـار بيـده نحـو مكـة واليمـن .
قالـوا : ومتـى تـراه ؟
قـال : فنظـر إلـيَّ وأنـا مـن أحدثهـم سِـنًّا ، فقـال : إن يسـتنفذ هـذا الغـلام عمـره يدركـه .
قـال سـلمة : فوالله مـا ذهـب الليـل والنهـار حتـى بعـث الله تعالـى رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـو حـي (3) بيـن أظهرنـا فآمنـا بـه ، وكفـر بغيـًا وحسـدًا .
فقلنـا : ويلـك يـا فـلان ألسـت بالـذي قلـت لنـا فيـه مـا قلـت ؟ ! .
قـال : بلـى وليـس بـه .
قـال : بلـى وليـس بـه .
رواه أحمد . وحسنه الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين / مجلد رقم : 5 / ص : 407 .
( 1 ) يَـوَدّ : أي : يَـوَدُّ الـذي رأى هـذه النـار .
( 2 ) بحظـه : أي : بنصيبـه .
( 3 ) وهـو : أي : اليهـودي .
**************
نمـــوذج للتصديـــق
===============
قـال تعالـى : { وَمَرْيَـمَ ابْنَـتَ عِمْـرَانَ الَّتِـي أَحْصَنَـتْ فَرْجَـهَا فَنَفَخْنَـا فِيـهِ مِـن رُّوحِنَا وَصَدَّقَـتْ بِكَلِمَـاتِ رَبِّهَـا وَكُتُبِـهِ وَكَانَـتْ مِـنَ الْقَانِتِيـنَ } .
سورة التحريم / آية : 12 0
مـن تفسـير : تيسـير الكريـم الرحمـن ( للشيخ / عبد الرحمن السعدي ) :
قــال : وهـذا وصـف لهـا بالعلــم والمعرفــة ، فـإن التصديـق بكلمـات الله يشـمل كلماتـه الدينيــة
والقدريـة .
والتصديـق بكتبـه يقتضـي معرفـة مـا بـه يحصـل التصديـق ، ولا يكـون ذلـك إلا بالعلـم والعمـل .
ولهـذا قـال تعالـى : " وَكَانَـتْ مِـنَ الْقَانِتِيـنَ " أي : المطيعيـن لله ، المداوميـن علـى طاعتـه بخشـية وخشـوع ، وهـذا وصـف لهـا بكمـال العمـل ، فإنهـا ـ رضي الله عنها ـ صِدِّيقـه ، والصديقيـة هـي كمـال العلـم والعمـل .
================
مـا الفـرق بيـن التوحيـد ، والعقيـدة ، والإيمـان ؟
· التوحيــد :
========
تعريـف التوحيـد شرعـًا :
هـو إفـراد الله سبحانـه بمـا يختـص بـه مـن الربوبيـة والألوهيـة والأسـماء والصفـات .
قسـم بعـض أهـل العلـم التوحيـد إلـى ثلاثـة أقسـام :
1 ـ توحيـد الربوبيـة .
2 ـ توحيـد الألوهيـة .
3 ـ توحيـد الأسـماء والصفـات .
وقـد اجتمعـت فـي قولـه تعالـى :
{ رَبُّ السَّـمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَـا بَيْنَهُمَـا فَاعْبُـدْهُ وَاصْطَبِـرْ لِعِبَادَتِـهِ هَـلْ تَعْلَـمُ لَـهُ سَـمِيّاً } .
سورة مريم / آية : 65 .
وهنـاك مـن أهـل العلـم مـن قسـموا التوحيـد إلـى قسـمين :
1 ـ توحيـد المعرفـة والإثبـات .
2 ـ توحيـد القصـد والطلـب .
فتوحيـد المعرفـة والإثبـات هـو توحيـد الربوبيـة والأسـماء والصفـات .
وتوحيـد القصـد والطلـب هـو توحيـد الإلهيـة .
هـذا مـا يخـص التوحيـد إجمـالاً . وسـيأتي التفصيـل إن شـاء الله .
· العقيـــدة :
========
تعريـف العقيـدة :
أولاً : لغـة : مـن العَقـد ، وهـو ضـد الحـل ، ومنـه : العُقـدة ، لأنهـا غيـر محلولـة .
ومنـه : العَقْـدُ وهـو الجمـع بيـن المتفرقـات .
عقـد النكـاح : جمـع بيـن رجـل وامـرأة .
عقـد البيـع : وهـو جمـع بيـن ثمـن ومثمـون وبائـع ومشـتري .
ثانيـًا : اصطلاحـًا : هـي المعنـى الذهنـي الجـازم .
ثالثًـا : شرعـًا : هـي تلـك المعانـي التـى تنجـزم فـي الذهـن والقلـب والوجـدان فـي حـق الله عـز وجـل ، والملائكـة ، والكتـب ، والرسـل ، واليـوم الآخـر ، والقـدر خيـره وشـره ، والإنـس ، والجـن .....
وقـد تكـون عقيـدة فاسـدة . مثـل عقيـدة النصـارى التثليـث ، وعقائـد الفـرق الضالـة .
وقـد تكـون عقيـدة حقـة ، فهـي عقيـدة المسـلم : " التوحيـد " .
· الإيمـــان :
========
تعريـف الإيمـان :
أولاً : لغـة : هـو التصديـق .
لقولـه تعالـى : { ... وَمَـا أَنـتَ بِمُؤْمِـنٍ لِّنَـا وَلَـوْ كُنَّـا صَادِقِيـنَ } . سورة يوسف / آية : 17 .
أي : ومـا أنـت بمصـدقٍ لنـا ولو كنـا صادقيـن .
ثانيـًا : اصطـلاحًا : هـو جملـة الاعتقـادات والأقـوال والأفعـال التـي يسـتقيم بهـا ديـن العبـد .
ثالثـًا : شـرعًا : هـو تصديـق الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا جـاء بـه عـن ربـه عـز وجـل .
وعقيـدة التوحيـد هـي ثمـرة الإيمـان :
والفـوز بالتوحيـد الخالـص يسـتوجب معالجـة القلـوب " بالعلـم " و " المحبـة " .
فـإذا عالجنـا قلوبنـا " بالعلـم الصحيـح " المبنـي علـى الاتبـاع و " المحبـة الخالصـة " ، قامـت القلـوب بعملهـا دون نقـص .
فالقلـب لا يعمـل كمـا ينبغـي وهـو مريـض .
وصحـة القلـب تركـز علـى أمريـن :
1 ـ العلـم الصحيـح المبنـي علـى الاتبـاع .
وسـبب مـرض القلـب فـي هـذه الجزئيـة " الجهـل " .
والشفـاء مـن الجهـل علاجـه السـؤال .
قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" قتلـوه قتلهـم الله ، ألا سـألوا إذ لـم يعلمـوا ، فإنمـا شفـاء العـيِّ السـؤال " .
صحيح سنن أبى داود / مجلد : 1 / حديث رقم : 325 / ص : 69 .
العـي : الجهـل .
هـل النـاس سـألوا عـن دينهـم ، هـل حاولـوا التخلـص مـن هـذا الجهـل ، أم هنـاك
" إعـراض " ؟ ! !
هنـاك إعـراض ، للغفلـة عـن الآخـرة .
2 ـ المحبـة :
الله جـل وعـلا هـو المحبـوب بالقصـد الأول ، فالحـب المطلـق يكـون لله ، فهو سـبحانه المحبـوب لذاتـه ، وباقـي أعـراض الدنيـا متـاع الغـرور .
وهـذه المحبـة لله تجعلـك تتخـذ مـن كـل أعـراض الدنيـا وسـيلة لإرضـاء هـذا المحبـوب ، لا وسـيلة لإغضابـه ..... وينتـج عـن هـذه المحبـة ، اتحـاد كـل المحبـات فـي اتجـاه الله .
فمثـلاً : أنـت تحـب " المـال " ، حبـك للمـال الحـب الشـرعي ، بـأن لا تحـب المـال لذاتـه ولكـن تحبـه لأنـه وسـيلة تمكنـك مـن طاعـة الله ، وذلـك بإنفاقـه فـي طاعـة ونصـرة ديـن الله ..... .
حـب الأولاد لله ، حـب الزوجـات لله ، كـل سعـي يكـون فـي سـبيل الله .
ومحبـة الله تتبعهـا محبـة كلامـه ، وهـو " القـرآن الكريـم " ، فتقـرؤه قـراءة الملهـوف علـى كـل مـا فيـه ، مـع الحـرص علـى تدبـره وفهمـه وتنفيـذه .
· معنـى الشـهادتين :
" أشـهد أن لا إله إلا الله " ( كلمـة التوحيـد ) .
أي : لا معبـود حـق إلا الله .
" أشهـد أن محمـدًا رسـول الله " .
أي : تجريـد المتابعـة لـه صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم .
========================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق