مـن لـــوازم التوحيـــد
" الـــولاء والبـــراء "
================
مـن لـوازم التوحيـد أن توالـي أهلـه الموحديـن وتتبـرأ مـن أعدائـه المشـركين ، قـال تعالـى :
{ إِنَّمَـا وَلِيُّكُـمُ اللهُ وَرَسُـولُهُ وَالَّذِيـنَ آمَنُـواْ الَّذِيـنَ يُقِيمُـونَ الصَّـلاَةَ وَيُؤْتُـونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُـونَ * وَمَـن يَتَـوَلَّ اللهَ وَرَسُـولَهُ وَالَّذِيـنَ آمَنُـواْ فَـإِنَّ حِـزْبَ اللهِ هُـمُ الْغَالِبُـونَ } .
سورة المائدة / آية : 55 ، 56
· الـــولاء :
المعنـى اصطلاحـًا :
القـرب مـن المسلميـن بمودتهـم وإعانتهـم ومناصرتهـم علـى أعدائهـم ، والسـكنى معهـم .
والمـوالاة ضـد المعـاداة .
· البـــراء :
المعنـى اصطلاحـًا :
البعـد والخـلاص والعـداوة بعـد الإعـذار والإنـذار ، والمـراد هنـا قطـع الصلـة القلبيـة مع الكفـار ، فـلا يحبهـم ولا يناصرهـم ولا يقيـم فـي ديارهـم .
* الـولاء والبـراء تابعـان للحـب والبغـض ، فـإن أوثـق عُـرَى الإيمـان الحـب فـي الله والبغـض فـي الله ، وبهمـا تنـال ولايـة الله ، وهمـا مـن أهـم لـوازم التوحيـد .
ولـن تقـوم للأمـة الإسـلامية قائمـة ، إلا بالرجـوع إلـى الله والحـب فيه والبغـض فيـه ، والـولاء لـه ولأوليائـه ، والبـراء ممـن أمرنـا بالبـراء منه ، وعندئـذ يفـرح المؤمنـون بنصـر الله .
* ولمـا كـان الـولاء والبـراء مبنييـن علـى قاعـدة الحـب والبغـض ، فـإن النـاس عنـد أهـل السـنة والجماعـة ـ بحسـب الحـب والبغـض فـي الله والـولاء والبـراء ـ ثلاثـة أصنـاف :
الصنــف الأول : مَـنْ يُحَــبُّ جُمْلَــة :
========================
وهـو مـن آمـن بالله ورسـولهِ ، وقـام بوظائـف الإسـلام ومبانيـه العظـام علمـًا وعمـلاً واعتقـادًا ، وأخلـص أعمالـه وأفعالـه وأقوالـه لله ، وانقـاد لأوامـره ، وانتهـى عمـا نهـى الله عنـه ورسـوله ، وأحـب فـي الله ، ووالـى فـي الله ، وأبغـض فـي الله ، وعـادى فـي الله ، وقـدم قـول رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ علـى قـول كـل أحـد كائنـًا مـن كـان .
الصنــف الثانـي : مـن يُحَـب مـن وجـه ويُبغـض مـن وجـه :
=========================================
وهـو المسـلم الـذي خلـط عمـلاً صالحـًا وآخـر سـيئًا ، فيُحَـبُّ ويوالَـى علـى قـدر مـا معـه مـن الخيـر ، و يُبغَـض و يعـادَى علـى قـدر مـا معـه مـن الشـر .
فهـذا عبـد الله بـن حِمـار ، وهـو رجـل مـن أصحـاب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كـان يشـرب الخمـر ، فأُتِـيَ بـه إلـى رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فأمـر الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بضربـه بالنعـال والجريـد ، فلعنـه رجـل وقـال : مـا أكثـر مـا يؤتـى بـه ..... .
فقـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" لا تلعنـه فإنـه يحـب الله ورسـوله " .
صحيح البخاري / كتاب : الحدود / باب : ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة .
فالرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رغـم أنه لعـن شـارب الخمـر وبائعهـا وعاصرهـا ومعتصرهـا وحاملهـا ، إلا أنـه نهـى عـن لعـن هـذا الرجـل لأنـه يحـب مـن وجـه ويبغـض مـن وجـه .
يحـب مـن وجـه : إنـه يحـب الله ورسـوله .
ويبغـض مـن وجـه : كونـه شـارب خمـر .
الصنــف الثالـث : مـن يُبغـض جملــة :
===========================
وهـو مـن كفـر بالله وملائكتـه وكتبـه ورسـله واليـوم الآخـر ، ولـم يؤمـن بالقـدر خيـره وشـره ، أو تـرك أحـد أركـان الإسـلام عمـدًا .
فأهـل السـنة والجماعـة يوالـون المؤمـن المسـتقيم علـى دينـه ولاءً كامـلاً ، ويحبونـه وينصرونـه نصـرة كاملـة ، ويتبـرءون مـن الكفـرة والملحديـن ، ويعادونهـم عـداوةً وبغضًـا كامليـن .
أمـا مـن خلـط عمـلاً صالحـًا وآخـر سـيئًا ( وهـم العصـاة أصحـاب الكبائـر ) فيوالونـه بحسـب مـا
عنـده مـن الإيمـان ، ويعادونـه بحسـب مـا عنـده مـن الإيمـان ، ويعادونـه بحسـب مـا هـو عليـه مـن الشـر .
===============
§ الـولاء والبـراء القلبـي : الولاء والبراء ص : 139 .
مـن عقيـدة أهـل السـنة والجماعـة ، أن الـولاء القلبـي وكذلـك العـداوة ـ القلبيـة ـ يجـب أن تكـون كاملـة .
يقـول شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة :
فأمـا حـب القلـب وبغضـه ، وإرادتـه وكراهتـه ، فينبغـي أن تكـون كاملـة جازمـة ، لا توجـب نقـص ذلـك إلا بنقـص الإيمـان ، وأمـا فعـل البـدن فهـو بحسـب قدرتـه ، ومتـى كانـت إرادة القلـب وكراهتـه كاملـة تامـة وفعـل العبـد معهـا بحسـب قدرتـه فإنـه يعطـى ثـواب الفاعـل الكامـل .
ذلـك أن مـن النـاس مـن يكـون حبـه وبغضـه وإرادتـه وكراهتـه بحسـب محبـة نفسـه وبغضهـا ، لا بحسـب محبـة الله ورسـوله ، وبغـض الله ورسـوله .
وهـذا نـوع مـن أنـواع الهـوى ، فـإن اتبعـه الإنسـان فقـد اتبـع هـواه ... قـال تعالـى :
{ ... وَمَـنْ أَضَـلُّ مِمَّـنِ اتَّبَـعَ هَـوَاهُ بِغَيْـرِ هُـدًى مِّـنَ اللهِ ... } .
سورة القصص / آية : 50 .
==============
§ المداهنــة وعلاقتهـا بالـولاء والبــراء : في بيان العقيدة ص : 111 .
المداهنـة : هـي المصانعـة والمسـالمة وتـرك مـا يجـب مـن الغيـرة والأمـر بالمعـروف والنهـي عـن المنكـر ، والتغافـل عـن ذلـك لغـرض دنيـوي وهـوى نفسـاني ، فالاسـتئناس بأهـل المعاصـي ومعاشـرتهم وهـم علـى معاصيهـم ، وتـرك الإنكـار عليهـم مـع القـدرة عليـه هـو المداهنـة .
وعلاقـة المداهنـة بالـولاء والبـراء تظهـر مـن معناهـا وتعريفهـا الـذي ذكرنـاه وهـو تـرك الإنكـار علـى العصـاة مـع القـدرة عليـه ، ومسـالمتهم ومصانعتهـم ، وهـذا فيـه تـرك للمـوالاة فـي الله ، والمعـاداة فيـه وتشـجيع للعصـاة والمفسـدين .
ويصبـح المداهـن داخـلاً فـي قولـه تعالـى :
{ لُعِـنَ الَّذِيـنَ كَفَـرُواْ مِـن بَنِـي إِسْـرَائِيلَ عَلَـى لِسَـانِ دَاوُودَ وَعِيسَـى ابْـنِ مَرْيَـمَ ذَلِـكَ بِمَـا
عَصَـوا وَّكَانُـواْ يَعْتـدُونَ * كَانُـواْ لاَ يَتَنَاهَـوْنَ عَـن مُّنكَـرٍ فَعَلُـوهُ لَبِئْـسَ مَا كَانُـواْ يَفْعَلُـونَ * تَـرَى كَثِيـراً مِّنْهُـمْ يَتَوَلَّـوْنَ الَّذِيـنَ كَفَـرُواْ ... } .
سورة المائدة / آية : 78 ـ 80 .
==============
§ المـداراة وأثرهـا علـى الـولاء والبــراء :
المـداراة : هـي درء المفسـدة والشـر بالقـول الليـن وتـرك الغلظـة ، أو الإعراض عـن صاحـب الشـر إذا خيـف شـره أو حصـل منـه أكبـر ممـا هـو ملابـس لـه .
وفـي الحديـث : عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت :
اسـتأذن رجـل علـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأنـا عنـده ، فقـال : " بئـس أخـو العشـيرة " .
ثـم أََذِِِن لـه ، فلمـا دخـل ألان لـه القـول (1) ، فلمـا خـرج قلـت : يـا رسـول الله ! قلـتَ مـا قلـتَ ثـم ألنـتَ لـه القـولَ .
فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " يـا عائشـة إن مـن شـر النـاس مـن تركـه النـاسُ أو وَدَعَـه النـاسُ اتقـاء فُحشـه " .
الشمائل للترمذي / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 184 / حديث رقم : 301 .
الحديث صحيح / أخرجه البخاري .
( 1 ) ألان لـه القـول : " وذلـك لتألفـه لِيُسـلِمَ قومُـهُ لأنـه كـان رئيسـهم ومطاعًـا فيهـم ، كمـا هـو شـأن الجفـاة ، لأنـه لـو لـم يُلِـنْ لـه القـول لأفسـد حـال عشـيرته ، وزيـن لهـم العصيـان لأنهـم لا يعصـون لـه أمـرًا " . حاشية الشمائل / ص : 184 .
ومـن رسـالة بيـان العقيـدة ، تعليقًـا علـى هـذا الحديـث :
فالنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ دارى هـذا الرجــل لمَّـا دخـل عليـه مـع مـا فيـه مـن الشـر لأجـل
المصلحـة الدينيـة ، فــدل علـى أن المــداراة لا تتنافــى مـع الـولاء والبـراء إذا كـان فيهـا
مصلحـة راجحـة مـن كـف الشـر والتأليـف ، أو تقليـل الشـر .
ومـن ذلـك مـداراة النبـي للمنافقيـن خشـية شـرهم وتأليفـًا لهـم ولغيرهـم .
* * * * *
§ نمـوذج للـولاء والبـــراء :
موقـف عبـد الله بـن عبـد الله بـن أُبـي بـن سـلول مـن أبيـه المنافـق :
عـن جابـر بـن عبـد الله قـال : كنـا فـي غـزاة قـال سـفيان :
ـ يـرون أنهـا غـزوة بنـي المصطلـق ـ فكسـع رجـلٌ مـن المهاجريـن رجـلاً مـن الأنصـار ، فقـال المهاجـري : يـا للمهاجريـن . وقـال الأنصـاري : يـا للأنصـار .
فسمـع ذلـك النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـال : مـا بـالُ دعـوى الجاهليـة ؟
قالـوا : رجـل مـن المهاجريـن كسـع رجـلاً مـن الأنصـار .
فقـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " دعوهـا فإنهـا منتنـة " .
فسـمع ذلـك عبـد الله بـن أُبـيّ بـن أبـي سـلول ، فقـال : أوَقَـد فعلوهـا ؟ والله لئِـن رجعنـا إلـى المدينـة ليخرجـن الأعـز منهـا الأذل .
فقـال عمـر : يـا رسـول اللـه دعنـي أضـرب عنـق هـذا المنافـق .
فقـال النبـي صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" دعـه لا يحـدث النـاس أن محمـدًا يقتـلُ أصحابَـهُ " .
وقـال غيـر عمـر ، فقـال لـه ابنُـه عبـدُ الله بـن عبـد الله :
والله لا تنقلـب حتـى تُقِــرَّ أنـك الذليــل ، ورســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ العزيـز ، ففعـل .
صحيح سنن الترمذي / ج : 3 / حديث رقم : 2641 .
===============
أنـــواع التوحيـــد
==============
سـبق أن تعرضنـا لأنـواع التوحيـد إجمـالاً ، وسـنتعرض لهـا هنـا بشـيء مـن التفصيـل .
أنـواع التوحيـد تدخـل كلهـا فـي تعريـف عـام وهـو :
إفـراد الله سـبحانه وتعالـى بمـا يختـص بـه .
هنـاك مـن أهـل العلـم مـن قسـم التوحيـد إلـى ثلاثـة أقسـام وهـي :
1 ـ توحيـد الربوبيـة .
2 ـ توحيـد الألوهيـة .
3 ـ توحيـد الأسـماء والصفـات .
ومـن كتـاب : فتـاوى العقيـدة للشـيخ العثيميـن : ص : 6 .
قـال : والعلمـاء ـ علمـوا ذلـك التقسـيم ـ بالتتبـع والاسـتقراء والنظـر فـي الآيـات والأحاديـث فوجـدوا أن التوحيـد لا يخـرج عـن هـذه الأنـواع الثلاثـة . ا . هـ .
وهـذا التقسـيم إنمـا هـو للتفهيـم والبيـان ، وإلا فاللـه لايقبـل التوحيـد مـن إنسـان أخـل بأحـد أنواعـه .
أولاً : توحيــد الربوبيــة
هـو الإيمـان بأن الـرب هـو الخالـق ، الـرازق ، المحيـي ، المميـت ، مُنَـزِّل الكتـب ، مرسـل الرسـل ، المجـازي فـي الدنيـا والآخـرة ، وإفـراده سـبحانه بكـل هـذا .
ومـن خـلال هـذا التعريـف نجـد أن :
أقسـام توحيـد الربوبيـة هـي
1 ـ قــدر كونــي :
==========
قـال تعالـى : { إِنَّـا كُـلَّ شَـيْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَـدَرٍ } . سورة القمر / آية : 49 .
وقـال تعالـى : { إِنَّمَـا قَوْلُنَـا لِشَـيْءٍ إِذَا أَرَدْنَـاهُ أَن نَّقُـولَ لَـهُ كُـن فَيَكُـونُ } .
سورة النحل / آية : 40 .
فالقـدر الكونـي : كالخلـق ، والـرزق ، والإحيـاء ، والإماتـة ، والنفـع ، والضـر .
2 ـ قـدر تشـريعي :
===========
وهـو يشـمل العلـم ، والرسـالات ، والكتـب ، والوحـي ، والتحليـل ، والتحريـم .
ـ ومـن أدلـة ذلـك :
ـ ( العلـم ) : قـال تعالـى : { ... ذَلِكُمَـا مِمَّـا عَلَّمَنِـي رَبِّـي ... } . سورة يوسف / آية : 37 .
وقـال تعالـى : { ... وَقُـل رَّبِّ زِدْنِـي عِلْمـاً } . سورة طه / آية : 114 .
ـ ( الرسـالات ) : قـال تعالـى : { لِيَعْلَـمَ أَن قَـدْ أَبْلَغُـوا رِسَـالاَتِ رَبِّهِـمْ ... } .
سورة الجن / آية : 28 .
ـ ( الكتـب ) : قـال تعالـى : { ... تِلْـكَ آيَـاتُ الْكِتَـابِ وَالَّـذِيَ أُنـزِلَ إِلَيْـكَ مِـن رَّبِّـكَ الْحَـقُّ ... } . سورة الرعد / آية : 1 .
ـ ( الوحـي ) : قـال تعالـى : { ذَلِـكَ مِمَّـا أَوْحَـى إِلَيْـكَ رَبُّـكَ مِـنَ الْحِكْمَـةِ ... } .
سورة الإسراء / آية : 39 .
ـ ( التحليـل والتحريـم ) :
قـال تعالـى : { قُـلْ تَعَالَـوْاْ أَتْـلُ مَـا حَـرَّمَ رَبُّكُـمْ عَلَيْكُـمْ ... } . سورة الأنعام / آية : 151 .
باختصـار القـدر التشـريعي يشـمل : ( افعـل ولا تفعـل ) .
3 ـ القــدر الجزائــي :
==============
فالـذي يجـازي فـي الدنيـا والآخـرة إنمـا هـو الـرب .
مـن أمثلـة الجـزاء فـي الدنيـا :
قولـه تعالـى : { أَلَـمْ تَـرَ كَيْـفَ فَعَـلَ رَبُّـكَ بِأَصْحَـابِ الْفِيـلِ } . سورة الفيل / آية : 1 .
وقولـه تعالـى : { أَلَـمْ تَـرَ كَيْـفَ فَعَـلَ رَبُّـكَ بِعَـادٍ } . سورة الفجر / آية : 6 .
ومـن أمثلـة الجـزاء فـي الآخـرة :
قولـه تعالـى : { إِنَّ السَّـاعَةَ ءاَتِيَـةٌ أَكَـادُ أُخْفِيهَـا لِتُجْـزَى كُـلُّ نَفْـسٍ بِمَا تَسْـعَى } .
سورة طه / آية : 15 .
وقولـه تعالـى : { ... أَدْخِلُـوا آلَ فِرْعَـوْنَ أَشَـدَّ الْعَـذَابِ } . سورة غافر / آية : 46 .
وقولـه : { ... إِنَّـا أَعْتَدْنَـا لِلظَّالِمِيـنَ نَـاراً أَحَـاطَ بِهِـمْ سُـرَادِقُهَا ... } .
سورة الكهف / آية : 29 .
وقولـه : { إِنَّ الَّذِيـنَ آمَنُـوا وَعَمِلُـوا الصَّالِحَـاتِ إِنَّـا لاَ نُضِيـعُ أَجْـرَ مَـنْ أَحْسَـنَ عَمَـلاً * أُوْلَئِـكَ لَهُـمْ جَنَّـاتُ عَـدْنٍ تَجْـرِي مِـن تَحْتِهِـمُ الأََنْهَـارُ ... } .
سورة الكهف / آية : 30 ، 31 .
فتوحيـد الربوبيـة : كـل مـا نـزل مـن الـرب إلـى العبـاد مـن رزق ، وإحيـاء ( كوني ) ، رسـالات ( تشـريعي ) .
ونتيجـة تعاملـك مـع قـدر الله الكونـي والتشـريعي ، يكـون قـدر الله الجزائـي .
فالمعاصـي جزاؤهـا الابتـلاءات والمصائـب فـي الدنيـا ، وشـدة سـكرات المـوت ، وعـذاب القبـر ، وشـدة المـرور علـى الصـراط ، وعـذاب النـار ... .
وفـي المقابـل مـن عمـل صالحـًا لا يضيـع أجـره ، ولـه جـزاء ذلـك .
مـع ملاحظـة أن الابتـلاءات فـي الدنيـا قـد تكـون لتكفيـر الذنـوب ، أو لرفـع الدرجـات والتمحيـص ، وليسـت دائمـًا عقابـًا .
فقـد لا ينـال المؤمـن منزلـة عاليـة فـي الآخـرة بعملـه ، فتكـون هـذه الابتـلاءات والصبـر عليهـا سـبب لرفـع درجاتـه .
* * * * *
ثانيًــا : توحيــد الألوهيــة
وهـو إفـراد الله تعالـى بالعبـادة ، فكـل مـا هـو مـن العبـاد إلـى الله هـو ألوهيـة .
وهـذا النـوع مـن التوحيـد هـو موضـوع دعـوة الرسـل مـن أولهـم إلـى آخرهـم .
قـال تعالـى : { وَلَقَـدْ بَعَثْنَـا فِـي كُـلِّ أُمَّـةٍ رَّسُـولاً أَنِ اعْبُـدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُـواْ الطَّاغُـوتَ ... } .
سورة النحل / آية : 36 .
وكـل رسـول يبـدأ دعوتـه بتوحيـد الألوهيـة ، كمـا قـال نـوح وهـود وصالـح وشـعيب عليهـم السـلام : { ... يَـا قَـوْمِ اعْبُـدُواْ اللهَ مَـا لَكُـم مِّـنْ إِلَهٍ غَيْـرُهُ ... } .
سورة الأعراف / آية : 59 ، 65 ، 73 ، 85 .
وهـذا النـوع مـن التوحيـد يسـمى توحيـد ألوهيـة باعتبـار إضافتـه إلـى الله .
ويسـمى توحيـد عبـادة باعتبـار إضافتـه إلـى العابـد .
ومـن كتـاب عقيـدة المؤمـن : ص : 78 .
قـال : إن توحيـد الألوهيـة جـزء هـام مـن عقيـدة المؤمـن ، إذ هـو ثمـرة توحيـد الربوبيـة ، وتوحيـد الأسـماء والصفـات ، وجَنـاه الطيـب .
وبدونـه يفقـد توحيـد الربوبيـة ، وتوحيـد الأسـماء والصفـات معنـاه ، وتنعـدم فائدتـه .
* * * * *
ثالثًــا : توحيــد الأســماء والصفـات
وهـو الإيمـان بمـا وصـف الله تعالـى بـه نفسـه فـي كتابـه ووصفـه بـه رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن الأسـماء الحسنـى والصفـات العلـى ، لفظـًا ومعنـىً .
واعتقـاد أن هـذه الأسـماء والصفـات علـى الحقيقـة لا علـى المجـاز ، وأن لهـا معـانٍ حقيقيـة تليـق بجـلال الله وعظمتـه .
أي : نثبـت لله مـا أثبتـه لنفسـه مـن أسـماء وصفـات ، ونؤمـن بمعناهـا ، وأن لهـا كيـف . لكـنْ نفـوض هـذا الكيـف لله لعجزنـا وجهلنـا بهـذا الكيـف .
لقولـه تعالـى : { ... لَيْـسَ كَمِثْلِـهِ شَـيْءٌ وَهُـوَ السَّـمِيعُ البَصِيـرُ } .
سورة الشورى / آية : 11 .
فقـد أثبـت سـبحانه صفتـي السـمع والبصـر ، ونفـى المِثليـة .
_______________________
· أركــان الإيمــان بالاســم :
=================
1 ـ الإيمـان بالاسـم .
2 ـ الإيمـان بمـا دل عليـه الاسـم مـن معنـى ( أي : الصفـة المشـتقة منـه ) .
3 ـ الإيمـان بالحكـم والأثـر المرَتـب علـى الاسـم إن دل علـى وصـفٍ متعـدٍّ .
مثـال :
" الرحيـم " : اسـم يـدل علـى وصـف متعـد للغيـر . ( يرحـم الله عبـاده ) .
أركـان الإيمـان باسـم الرحيـم :
1 ـ الإيمـان بـأن ( الرحيـم ) اسـم مـن أسـماء الله الحسـنى .
2 ـ الإيمـان بالمعنـى الـذي دل عليـه الاسـم .
أي : الصفـة المشـتقة منـه ، وهـي صفـة " الرحمـة " . ( ذو رحمـة ) .
3 ـ الإيمـان بمـا يتعلـق بهـذا الاسـم مـن أثـر وحكـم . ( وهـو أنـه يرحـم مـن يشـاء ) .
" الحـــي " : اسـم مـن أسـماء الله الحسـنى يـدل علـى وصـف غيـر متعـد .
أركـان الإيمـان باسـم الحـي :
1 ـ الإيمـان بأن " الحـي " اسـم مـن أسـماء الله الحسـنى .
2 ـ الإيمـان بأن اللـه يتصـف بالصفـة المشـتقة منـه وهـي " الحيــاة " .
_________________
· أســماء الله غيـر محصــورة بعـدد معيــن :
========================
والدليـل علـى ذلـك : قولـه صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
" اللهـم إنـي عبـدُك وابـن أمتـك " ... إلـى أن قـال : " أسـألك بكـل اسـم هـو لـك سـميتَ بـه نفسـك ، أو أنزلتَـهُ فـي كتابـك ، أو علمتـه أحـدًا مـن خلقـك أو اسـتأثرت بـه فـي علـم الغيـب عنـدك ..... " .
صحيح . جزء من حديث ابن مسعود . رواه أحمد . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في السلسلة الصحيحة / رقم : 199 .
والشـاهد : قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " ومـا اسـتأثرت بـه فـي علـم الغيـب عنـدك " .
ومـا اسـتأثر الله بـه فـي علـم الغيـب لا يمكـن أن يعلـم بـه ، ومـا ليـس معلـومـًا ليـس محصـورًا .
وأمـا قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " إن لله تسـعةً وتسـعين اسـمًا ، مـن أحصاهـا دخـل الجنـة " . رواه البخاري / كتاب : الدعوات .
فليـس معنـاه أنـه ليـس لـه إلا هـذه الأسـماء ، لكـن معنـاه أن مـن أحصـى مـن أسـمائه تسـعة وتسـعين اسـمًا فإنـه يدخـل الجنـة .
" وقـد نقـل شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة ـ رحمـه الله ـ : اتفـاق أهـل المعرفـة فـي الحديـث على أن عدَّهـا وسَـرْدَهـا لا يصـح عـن النبـي صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " . ا . هـ .
فحديـث الترمـذي " ضعيـف " ، ولا يحـوي جميـع أسـماء الله الحسـنى ، فليـس فيـه اسـم
" الــرب " ، " الوتــر " ، " الجميــل " ، " الطيــب " ، " الســبوح " ، ..... .
==================
· المــراد مـن إحصــاء الأســماء الحسـنى :
=================================
هنـاك مراتـب للإحصـاء :
المرتبـة الأولـى : إحصـاء ألفاظهـا وعددهـا المحـدد فـي الحديـث ( 99 اسـمًا ) .
المرتبـة الثانيـة : فهـم معانيهـا ومدلولهـا .
المرتبـة الثالثـة : دعـاء الله بهـا .
كمـا قـال تعالـى : { وَلِلّهِ الأَسْـمَاء الْحُسْـنَى فَادْعُـوهُ بِهَـا … } . سورة الأعراف / آية : 180 .
_______________________
· أنــواع الدعــاء بأســماء الله :
===============
1 ـ دعـاء ثنـاء .
2 ـ دعـاء عبـادة .
3 ـ دعـاء طلـب ومسـألة .
* دعــاء ثنــاء :
وهـو أن يثنـي علـى الله بأسـمائه الحسـنى وصفـاته العُلـى .
مثـال : يـا حـي يـا قيـوم ( دعـاء ثنـاء ) ، برحمتـك استغيـث .
* دعــاء العبــادة :
وهـو أن تتعـرض فـي عبادتـك لمـا تقتضيـه هـذه الأسـماء ، فمقتضـى " الرحيـم " : الرحمـة ، فترحـم عبـاد الله ، وتتصـف بصـفة الرحمـة ، دعـاء عبـادة باسـمه الرحيـم .
وتقـوم بالتوبـة لأنـه هـو " التـواب " ، وتخشـاه فـي السـر والعلـن لأنـه هـو " اللطيـف الخبيـر " .
مـع ملاحظـة أن من أسـماء الله أسـماء تقتضـي مـن العبـد مجـرد الإقـرار بهـا والخضـوع لهـا ، وهـي الأسـماء التـي يختـص بهـا سـبحانـه لنفسـه " كالجبـار " ، و" العظيــم " ، و
" المتكبــر " .
* دعـاء الطلـب والمسـألة :
وفيـه يسـأل فـي كـل مطلـوب باسـم ـ مـن أسـماء الله الحسـنى ـ يكـون مقتضيـًا لذلـك المطلـوب .
فيقـول فـي مقـام الحاجـة مثـلاً : يا " معطـي يـا مانـع " ، اعطنـي كيـت وكيـت .
ويقـول فـي مقـام الرحمـة : " يا رحمـن " ارحمنـي .
وفـي مقـام التوبـة : " يا تـواب " تـب علـي .
إذًا لابـد أن يسـأل فـي كـل مطلـوب باسـم يكـون مقتضيـًا لذلـك المطلـوب ، ولكـن يسـتثنى مـن ذلـك لفظـا " الله " و " رب " فيصـح قـول : يـا رب ارحمنـي ، يـا ألله اغفـر لـي ...
================
· الإخبـــار عـن الله تعالــى :
====================
إن مـا يدخـل فـي بـاب الإخبـار عنـه تعالـى أوسـع ممـا يدخـل فـي بـاب أسـمائه وصفاتـه .
ـ فالأسـماء الحسـنى والصفـات العلـى : توقيفيـة ، لا مجـال للعقـل فيهـا ، فيجـب الوقـوف فيهـا علـى مـا جـاء بـه الكتـاب والسـنة .
ـ وكـل اسـم يشـتق منـه صفـة ، وليسـت كـل صفـة يشـتق منهـا اسـم .
فبـاب الصفـات أوسـع مـن بـاب الأسـماء .
مثـال للصفـات التـي لا تشـتق مـن الأسـماء : الضحـك ، النـزول ، الاسـتواء ، .....
" الإخبــــار " :
يـراد بـه مـا يجـوز إطلاقـه علـى الله عـن طريـق الخبـر ، وذلـك بمعنـى مـن المعانـي لـم يـرد بلفظـه فـي الكتـاب والسـنة ، وإن كـان معنـاه مطلوبـًا إثباتـه شـرعًا لدلالتـه علـى معنـى حسـن ، أو معنـى ليـس فيـه شـائبة ذم ، قـد نفـاه عنـه بعـض المبتدعـة فيخبـر عنـه بـه للـرد عليهـم .
كـأن ينازعـك في قِدَمِـهِ ، أو وجـوب وجـوده ، فتقـول مخبـرًا عنـه بمـا يسـتحقه : إنـه قديـم ، وواجـب الوجـود .
§ معنــى واجــب الوجــود :
أي : لـم يسـبقـه عـدم ولا يلحقـه زوال .
أي : أزلـي أبـدي ... وهـذا فـي حـق الله .
§ معنـى ممكـن الوجـود :
أي : كـان بعـد أن لـم يكـن ..... وهـذا فـي حـق كـل مخلـوق .
مـن الأسـماء مـا لا يطلـق علـى الله عـز وجـل إلا مقترنـًا بمـا يقابلـه :
مثـل : " الظاهــر " ، " الباطـن " / " القابـض " ، " الباسـط " / " المقــدِّم " ، " المؤخِّــر " /
" الأول " ، " الآخـر " / ... ... .
فـلا يجـوز لأي اسـم مـن هـذه الأسـماء أن يُفـرد عـن مقابلـه ، لأن الكمـال فـي اقتـران كـل اسـم مـن هـذه الأسـماء بمـا يقابلـه .
فلـو قلـت : يـا " ظاهـر " ، يـا " قابـض " ، يـا " مقـدم " ، يـا " أول " ، ..... ، واقتصـرت علـى ذلـك ، لـم تكـن مثنيـًا عليـه سـبحانه ، ولا حامـدًا لـه حتـى تذكـر مقابلهـا .
=============
o فـائـــدة :
==========
ليـس معنـى تقسـيم التوحيـد إلـى أنـواع ثلاثـة ، ليـس معنـاه عـدم وجـود علاقـة بيـن هـذه الأنـواع وتـلازم ، ولكـن جميـع أنـواع التوحيـد متلازمـة ، فينافيهـا كلهـا مـا ينافـي نوعـًا منهـا :
فمـن أشـرك فـي نـوع منهـا فهـو مشـرك فـي بقيـة الأنـواع .
مثـال ذلـك : دعـاء غيـر الله وسـؤاله مـا لا يقـدر عليـه إلا الله :
ـ فدعـاؤه إيـاه ، عبـادة صرفهـا لغيـر الله من دون الله ، فهـذا شـرك فـي " الألوهيـة " .
ـ وسـؤاله إيـاه تلـك الحاجـة مـن جلـب خيـر أو دفـع شـر معتقـدًا أنـه قـادر علـى قضـاء ذلـك ؛
هـذا شـرك فـي " الربوبيـة " ، حيـث اعتقـد أنـه متصـرف مـع الله فـي ملكوتـه .
ـ ثـم إنـه لـم يدعـه هـذا الدعـاء مـن دون الله إلا مـع اعتقـاده أنـه يسـمعه علـى البعـد والقـرب فـي أي وقـت كـان ، وفـي أي مكـان ، وهـذا شـرك فـي " الأسـماء والصفـات " حيـث أثبـت لـه سـمعًا محيطـًا بجميـع المسـموعات لا يحجبـه قُـرب ولا بُعْـد فاسـتلزم هـذا الشـرك فـي " الألوهيـة " ، الشـرك فـي " الربوبيـة " و " الأسـماء والصفـات " .
* * * * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق