الخميس، 10 نوفمبر 2011

الزهد


بسم الله الرحمن الرحيم
    تقديـــــم
  ========
إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله مـن شـرور أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ، ومـن يضلـل فـلا هـادي لـه ، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ، وأشـهد أن محمـدًا عبـده ورسـوله .
 { يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ اتَّقُـواْ اللهَ حَـقَّ تُقَاتِـهِ وَلاَ تَمُوتُـنَّ إِلاَّ وَأَنتُـم مُّسْـلِمُونَ } .
                                                                                                           سورة آل عمران / آية : 102  .
 { يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـواْ رَبَّكُـمُ الّـَذِي خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ وَخَلَـقَ مِنْهَـا زَوْجَهَـا وَبَـثَّ مِنْهُمَـا رِجَـالاً كَثِيراً وَنِسَـاء وَاتَّقُـواْ اللهَ الَّـذِي تَسَـاءلُونَ بِـهِ وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـاً } .
 سورة النساء / آية : 1 .   
{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنـُوا اتَّقُـوا اللهَ وَقُولُـوا قَـوْلاً سَـدِيداً * يُصْلِـحْ لَكُـمْ أَعْمَالَكُـمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـن يُطِـعْ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ فَـازَ فَـوْزاً عَظِيمـاً } .
                                                                                     سورة الأحزاب / آية : ( 70 ، 71 ) .
أمـا بعــد :
فـإن أصـدقَ الحديـثِ كتـابُ اللهِ ، وخيـرَ الهـديِ هـديُ محمـدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وشـرَّ الأمـورِ محدثاتُهَـا وكـلَّ محدثـةٍ بدعـةٌ ، وكـلَّ بدعـةٍ ضلالـةٌ ، وكـلَّ ضلالـةٍ فـي النـارِ .
وبعـــد :
لابـد للمسـلم في هـذه الحيـاة مـن وقفـات يقفهـا مـع نفسـه ، يعيـد فيهـا تقويـم أمـوره ، ويتفكـر فـي مصيـره ، ويصحـح بهـا مسـاره ، فقطـار الحيـاة يسـير بنـا شـئنا أم أبينـا ، ولابـد مـن وقـت نتركـه فيـه كمـا تركـه مـن سـبقنا .

لقـد سـبقنا إلـى القبـور أُنـاس كثيـرون ، لهـم أحـلام وطموحـات مثلنـا ، يُمْسـون ويصبحـون عليهـا ، وفجـأة جاءهـم ملـك المـوت ، فـي هـذه اللحظـات العصيبـة ، انكشـفت لهـم حقيقـة الوجـود في الدنيـا ، وأنها مرحلـة مـن رحلـة طويلـة ..... رحلـة العـودة إلـى الله . وتمنـوا فـي هـذه اللحظــات أن ينصـرف عنهـم ملـك المـوت ولـو للحظـة يصلحـون

فيهـا مـا أفسـدوا .
قـال تعالـى : { حَتَّـى إِذَا جَـاء أَحَدَهُـمُ الْمَـوْتُ قَـالَ رَبِّ ارْجِعُـونِ * لَعَلِّـي أَعْمَـلُ صَالِحـاً فِيمَـا تَرَكْـتُ كَـلاَّ إِنَّهَـا كَلِمَـةٌ هُـوَ قَائِلُهَـا وَمِـن وَرَائِهِـم بَـرْزَخٌ إِلَـى يَـوْمِ يُبْعَثُـونَ } .                                                              
                                                                                سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100  .
فـإذا كـان هـذا هـو حـال الكثيـر ممـن سـبقنا إلـى لقـاء المـوت فلمـاذا لا نعتبـر بهـم حتـى لا نقـع فيمـا وقعـوا فيـه ؟

*  إن مـن فضـل الله علينـا أننـا مازلنـا فـي الأمنيـة التـي يتمناهـا هـؤلاء في العـودة إلـى الدنيـا ... فهـل لنـا أن نفعـل ما يتمنـون فعلـه لـو كانـوا مكاننـا ؟ !
هـل لنـا أن نبـدأ فـي تصحيـح المسـار ، ووضـع الدنيـا فـي حجمهـا الصحيـح ، والزهـد فيهـا ، والتعامـل معهـا علـى أنهـا مزرعـة للآخـرة ؟ !

ولنحـذر مـن حـب الدنيـا والحـرص عليهـا فحـب الدنيـا هـو الـذي عَمَّـرَ النـار بأهلهـا ، والزهـد فـي الدنيـا هـو الـذي عَمَّـرَ الجنـة بأهلهـا .
وممـا يعيـن علـى الزهـد فيهـا ، والعمـل للآخـرة ، ذكـر المـوت .

فلنتدبـر أحـوال الميـت بعد نـزع روحـه ، وقـد تصلبـت أطرافـه ، وشـخص بصـره ، واسـتسلم جسـده ليـد المُغَسِّـل ، فـلا كـلام ، ولا حِـراك ، ولا اعتـراض ، وبعـد تكفينـه يُحمـل علـى الأكتـاف فيصلـى عليـه ، ثـم يوضـع فـي حفـرة ضيقـة مـن الأرض ، ويُهَـال عليـه التـراب ، فـلا منفـذ يبقـى للهـواء ولا للضيـاء ، ثـم بعد فتـرة يتحلـل اللحـم ويتسـاقط مـن فـوق العظـام ، وشـيئًا فشـيئًا تتحـول العظـام إلـى تـراب .
والله أعلـم بحالـه أمُنَعَّـم أم غيـر ذلـك ؟ !
لا فـرق فـي هـذا بيـن الجميـل والدميـم ، والشـاب والهـرم ، والغنـي والفقيـر .
فهـي رحلـة بدايتهـا هـذه الحيـاة ثـم المـوت والقبـر والنشـور ..... ثـم الجنـة أو النـار .
فالدنيـا دار امتحـان ، ونهايـة الامتحـان هي اللحظـة التـي قدرهـا الله لنهايـة حيـاة العبـد ، فيأتـي ملـك المـوت ومـن ورائـه ملائكـة الرحمـة أو ملائكـة العـذاب ..... يأتـي ملـك المـوت لنـزع الـروح وإنهـاء الوجـود فـي قاعـة الامتحـان ..... فـي هـذه اللحظـات يـرى العبـد الملائكـة لأول مـرة فـي حياتـه ..... يُرْفـع السـتار بيـن عالَـم الغيـب وعَالَـم الشـهادة وتنكشـف الحقيقـة :
قـال تعالـى : { لَقَـدْ كُنـتَ فِـي غَفْلَـةٍ مِّنْ هَـذَا فَكَشَـفْنَا عَنـكَ غِطَاءكَ فَبَصَـرُكَ الْيَـوْمَ حَدِيـدٌ } . 
                                                                                        سورة ق / آية : 22 .


وفـي هـذه اللحظـات يُبَشَّـر المؤمـن بنجاحـه فـي الامتحـان . قـال تعالـى :
{ إِنَّ الَّذِيـنَ قَالُـوا رَبُّنَـا اللهُ ثُـمَّ اسْـتَقَامُوا تَتَنَـزَّلُ عَلَيْهِـمُ الْمَلاَئِكَـةُ أَلاَّ تَخَافُـوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِـرُوا بِالْجَنَّـةِ الَّتِـي كُنتُـمْ تُوعَـدُونَ } .                               سورة فصلت / آية : 30 .

أمـا الظالـم لنفسـه المضيِّـع للمهمـة التـي خُلـق مـن أجلهـا فيبشـر بالعـذاب . قـال تعالـى :
{ ... وَلَـوْ تَـرَى إِذِ الظَّالِمُـونَ فِـي غَمَـرَاتِ الْمَـوْتِ وَالْمَلآئِكَـةُ بَاسِـطُواْ أَيْدِيهِـمْ أَخْرِجُـواْ أَنفُسَـكُمُ الْيَـوْمَ تُجْـزَوْنَ عَـذَابَ الْهُـونِ بِمَـا كُنتُـمْ تَقُولُـونَ عَلَـى اللهِ غَيْـرَ الْحَـقِّ وَكُنتُـمْ عَـنْ آيَاتِـهِ تَسْـتَكْبِرُونَ } .                                                                     سورة الأنعام / آية : 93 .

فـي هـذه اللحظـات يشـتد نـدم الغافليـن علـى مـا فرطـوا في جنـب الله ، ويتمنـون العـودة إلـى الدنيـا ليصلحـوا مـا أفسـدوه . قـال تعالـى :
{ حَتَّـى إِذَا جَـاء أَحَدَهُـمُ الْمَـوْتُ قَـالَ رَبِّ ارْجِعُـونِ * لَعَلِّـي أَعْمَـلُ صَالِحـاً فِيمَـا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَـا كَلِمَـةٌ هُـوَ قَائِلُهَـا وَمِـن وَرَائِهِـم بَـرْزَخٌ إِلَـى يَـوْمِ يُبْعَثُـونَ } .
                                                                                       سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 .
كـلا ..... لا عـودة للدنيـا فقـد انتهـت المهلـة وأُغْلِقَـت الصحيفـة لتبـدأ مـرحلـة جديـدة ..... مرحلـة الحيـاة البرزخيـة .

بعـد أن اسـتعرضنا معـًا بعـض ملامـح رحلـة العـودة إلـى الله ، يبقـى السـؤال :
* مـاذا ينبغـي علينـا أن نقـوم بـه قبــل أن تضيـع منـا الفرصـة ، ويُحـال بيننـا وبيـن العمـل الصالـح ؟
* مـاذا نفعـل كـي لا نكـون ممـن يقـول : { ... يَـا لَيْتَنِـي قَدَّمْـتُ لِحَيَاتِـي } .
سورة الفجر / آية : 24 .
لنبـدأ باسـتثمار مشـاعرنا فـي تلـك اللحظـات ، بالآتـي :
ـ العـزم علـى التوبـة عمـا مضـى (1) .
ـ العـزم علـى الاسـتقامة فيمـا هـو آت ، وسـبيل ذلـك اسـتغلال النعمتيـن المغبـون فيهمـا كثيـر مـن النـاس " الصحـة والفـراغ " (2) بالعمـل الصالـح .
---------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) تفصيل ذلك ببحث التوبة .
( 2 ) ارجع إلى بحث : " نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس " .
*******************************

ـ الحـذر مـن تحقيـر شـأن الذنـوب وعاقبتهـا مهمـا قَلَّـتْ .

فقـد ورد في كتـاب فوائـد الفوائـد لابـن القيـم .../ ترتيب علي حسن علي عبد الحميد / ص : 389 :   
يـا مغـرورًا بالأمانـيِّ ! لُعِـنَ إِبليـسُ وأُهْبِـطَ مـن منـزلِ العـزِّ بتـركِ سـجدةٍ واحـدةٍ أُمِـرَ بهـا ، وأُخـرِجَ آدمُ مـن الجنّـةِ بلقمـةٍ تناولَهـا ، وحُجِـب القاتـلُ عنها (1) بعـد أنْ رآهـا عِيانـًا بمـلءِ كـفٍّ مـن دم ٍ، وأُمـرَ بقتـلِ الزَّانـي أَشـنعَ القِتْـلاتِ بإِيـلاجِ قَـدْرِ الأُنملـةِ فيما لا يَحِـلُّ ، وأُمرَ بإِيسـاعِ الظهـرِ سـياطًا (2) بكلمـةِ قَـذْفٍ أو بقطـرةٍ من مُسْـكرٍ ، وأَبـانَ (3) عضـوًا مـن أعضائـكَ بثلاثـةِ دراهـمَ ! فلا تأمنْـهُ أنْ يحبسَـكَ فـي النَّـارِ بمعصيـةٍ واحـدةٍ .  { وَلاَ يَخَـافُ عُقْبَاهَـا } .                                                       سورة الشمس / آية : 15 .    
" دخلـت امـرأة النـار فـي هـرة " (4) ، " إن الرجـل ليتكلـم بالكلمـة لا يلقـي لهـا بـالاً يهـوي بهـا فـي النـار أبعـد ما بيـن المشـرق والمغـرب " (5) .                                           ا . هـ .

    حكمـــة :
ــــــــ
كـم جـاء الثــواب يسـعى إليـك فوقــف بالبـاب ، فـرده بـوَّابُ " سـوف " و " لعــل " و
" عسـى " .   

ـ الزهـد في هـذه الدنيـا الفانيـة . والاعتـراف بظلمنا لأنفسـنا :
 
{ قَـالاَ رَبَّنَـا ظَلَمْنَـا أَنفُسَـنَا وَإِن لَّـمْ تَغْفِـرْ لَنَـا وَتَرْحَمْنَـا لَنَكُونَـنَّ مِـنَ الْخَاسِـرِينَ } .
                                                                              سورة الأعراف / آية : 23 .
هَلُمُّـوا إلـى ربكـم ! ! !

وهـذا بحـث فـي الزهـد ، لعلـه يعيننـا علـى أنفسـنا واجتيـاز الامتحـان والفـوز بالآخـرة ، ويكـون سـببًا للنجـاة . ولنحـذر قـول الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : 

" نجـا أول هـذه الأمـة باليقيـن والزهـد ، ويهلـك آخرهـا بالبخـل والأمـل " .
الراوي: جد عمرو بن شعيب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 3340
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره

 
اللهـم أعنـا علـى أنفسـنا ..... والحمـد لله رب العالميـن والصـلاة والسـلام علـى نبينـا .
-----------------------------------------------------------------------
( 1 ) عنها : أي الجنة .                   ( 2 ) سياطًا : أي بالجلد .
( 3 ) أبان : قطع .                        ( 4 ) رواه البخاري ( 3318 ) ، ومسلم ( 2242 ) عن ابن عمر .
( 5 ) رواه البخاري ( 6478 ) ، ومسلم ( 2988 ) عن أبي هريرة .


***************************** 

الزهــــد
========
  تعريـف الزهـد :
===========
الزهـد : هـو انصـراف الرغبـة عـن الشـيء إلـى مـا هـو خيـرٌ منـه ، وأمـا العلـم المُـورِثُ لهذه الحـال فهـو العلـم بكـون المتـروك حقيـرًا بالإضافـة (1) إلى المأخـوذ ، فمـن عـرف أن ما عنـد الله بـاق ، وأن الآخـرة خيـر وأبقـى مـن الدنيـا كمـا أن الجوهـر خيـرٌ وأبقـى من الثلـج ، فالدنيـا كقطعـة الثلـج الموضوعـة فـي الشـمس لا تـزال فـي الذوبـان حتـى تنتهـي ، والآخـرة كالجوهـر غاليـة الثمـن لا تـذوب ولا تنتهـي ، وبقدر اليقيـن بالتفـاوت بيـن الدنيـا والآخـرة تقـوى الرغبـة فـي البيـع .                                                                            
                                                         البحر الرائق في الزهد والرقائق / ص : 187 .
قـال تعالـى :
{ اعْلَمُـوا أَنَّمَـا الْحَيَـاةُ الدُّنْيَـا لَعِـبٌ وَلَهْـوٌ وَزِينَـةٌ وَتَفَاخُـرٌ بَيْنَكُـمْ وَتَكَاثُـرٌ فِـي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَـلِ غَيْـثٍ أَعْجَـبَ الْكُفَّـارَ نَبَاتُـهُ ثُـمَّ يَهِيـجُ فَتَـرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُـمَّ يَكُـونُ حُطَامـاً وَفِـي الآخِـرَةِ عَـذَابٌ شَـدِيدٌ وَمَغْفِـرَةٌ مِّـنَ اللهِ وَرِضْـوَانٌ وَمَـا الْحَيَـاةُ الدُّنْيَـا إِلاَّ مَتَـاعُ الْغُـرُورِ } .   
                                                                                          سورة الحديد / آية : 20 .

هـذه خمسـة أشـياء كلهـا ليسـت بشـيء : لعـب ، ولهـو ، وزينـة ، وتفاخـر بينكـم ، وتكاثـر فـي الأمـوال والأولاد ، مثالهـا :
" كمثـل غيـث أعجـب الكفـارَ نباتُـهُ " : أعجـب الكفـار ، لأن الكفـار هـم الذيـن يتعلقـون بالدنيـا ، وتسـبي (2) عقولهـم ، فهـذا نبـات نبـت مـن الغيـث (3) فصـار الكفـار يتعجبـون من حسـنه ونضارتـه .
{ ... ثُـمَّ يَهِيـجُ فَتَـرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُـمَّ يَكُـونُ حُطَامـاً ... } : أي يـزول وينتهـي .
{ ... وَفِـي الآخِـرَةِ عَـذَابٌ شَـدِيدٌ وَمَغْفِـرَةٌ مِّـنَ اللهِ وَرِضْـوَانٌ ... } :
فأيهمـا تريـد ؟ هنـاك عـذابٌ شـديد لمـن آثـر الحيــاة الدنيـا علـى الآخـرة ، وهنـاك مغفـرة مـن الله ورضـوان لِمَـنْ آثـر الآخـرة علـى الدنيـا .
-----------------------------------------------------------------
( 1 )  بالإضافـة : أي بالمقارنـة .                    ( 2 ) تسبي : أي تأسر .                     ( 3 ) الغيث : أي المطر .

والعاقـل إذا قـرأ القـرآن وتبصـر عـرف قيمـة الدنيـا ، وأنها ليسـت بشـيء ، وأنهـا مزرعـة للآخـرة ، فانظـر مـاذا زرعـت فيهـا لآخرتـك ؟ إن كنـت زرعـت خيـرًا فأبشـر بالحصـاد الـذي يرضيـك ، وإن كـان الأمـر بالعكـس فقـد خسـرت الدنيـا والآخـرة . نسـأل اللـه لنـا ولكـم السـلامة والعافيـة .

فالدنيـا مهمـا طـاب عيشـها فمآلهـا للفنـاء ، وإذا لم يصحبهـا عمـل صالـح فإنهـا خَسَـارة . ومـن عمـل فيهـا عمـلاً صالحـًا صـارت مزرعـة لـه في الآخـرة ، ونال السـعادتين ؛ سـعادة الدنيـا وسـعادة الآخـرة .
                               شرح رياض الصالحين / للعثيمين / ج : 6 / ص : 9 ، 10 ، 18 ، 19 .

الدنيـا ليسـت بشـيء بالنسـبة للآخـرة ، وهـي (1) ممـر ومزرعـة للآخـرة .
فـإن قـال قائـل : يقـال ورع ، ويقـال زهـد ، فأيهمـا أعلـى ؟ وما الفـرق بينهمـا ؟ .
فالجـواب : أن الزهـد أعلـى مـن الـورع ، والفـرق بينهمـا أن الـورع تـرك ما يضـر ، والزهـد تـرك ما لا ينفـع .
فالأشـياء ثلاثـة أقسـام : منهـا ما يضـر فـي الآخـرة ، ومنهـا ما ينفـع ، ومنهـا ما لا يضـر ولا ينفـع .
فالـورع : أن يـدع الإنسـان ما يضـره ( 2 ) فـي الآخـرة .
والزهـد : أن يـدع مـا لا ينفعـه فـي الآخـرة ، فالـذي لا ينفعـه لا يأخـذ بـه ، والـذي ينفعـه يأخـذ بـه ، والـذي يضـره لا يأخـذ بـه مـن بـاب أولـى ، فكـان الزهـد أعلـى حـالاً مـن الـورع ، فكـل زاهـد ورع ، وليـس كـل ورع زاهـدًا .
                                                               شرح رياض الصالحين / للعثيمين / ج : 6 / ص : 12 ، 13 .



*****************
  حقيقـة الزهـد :
==========
الزهـد فـي الدنيـا ليـس معنـاه  تركهـا بالكليـة ، بـل معنـاه عـدم حبهـا أو تعلـق القلـب بهـا ، ومعنـاه كذلـك انصـراف الرغبـة عنهـا ، وهـذا لا يتنافـى مع الغنـى ، ولا يتـلازم مـع الفقـر .
-----------------------------------------------------------------------
( 1 ) وهي : هذه اللفظة من تصرف جامع الموضوع . وأما بالمرجع : " وأنها " .
( 2 ) يضره : أي كل المعاصي والذنوب .

سُـئِل أحـد الأئمـة عـن الرجـل يكـون معـه ألـف دينـار هـل يكـون زاهـدًا ؟
قـال : نعـم علـى شـريطة ألا يفـرح إذا زادت ولا يحـزن إذا نقصـت .

فليـس الزاهـد مَـنْ لا مـال عنـده ، وإنمـا الزاهـد مَـنْ لـم يشـغل المـال قلبـه وإن أوتـيَ مثـل مـا أوتـيَ قـارون ، فكـم مـن فقيـر مُعْـدَم يمـلأ قلبـه حـبُّ الدنيـا ، وكـم مـن غنـي واسـع الثـراء لـم تشـغل الدنيـا قلبـه .
فهـذا عبـد الرحمـن بـن عـوف ـ رضي الله عنه ـ كـان أحـد أثريـاء الصحابـة ، ومـع ذلـك لـم يكـن يُعـرف مـن بيـن عبيـده مـن شـدة تواضعـه وزهـده فـي الدنيـا .

وليـس مـن الزهـد لبـس الخشـن مـن الثيـاب أو أكـل الغليـظ مـن الطعـام ، وتـرك ما أباحـه الله لنـا مـن الطيبـات . فقـد كـان الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أزهـد النـاس وأقربهـم إلـى الله ، فكان يمـزح ويداعـب الأطفـال ، ويتـزوج النسـاء ، ويأكـل العسـل ، ويأكـل اللحـم إذا وجـد ، ويُفْـرَش لـه الظـل ، ..... ومـا نُقِـل عنـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم أنـه امتنـع عـن مبـاح زهـدًا فـي الدنيـا ..... .                          ( هلموا إلى ربكم ... / ص : 65 / بتصرف ) .

فحقيقـة الزهـد فـي الدنيـا أنـه مـن أعمـال القلـوب ، فهـو تفريـغ القلـب من الاشـتغال بالدنيـا للتفـرغ لطلـب الآخـرة .
مـن هنـا يتضـح لنـا أن الدنيـا لا ينبغـي أن يكـون لهـا موضـع في قلـب المؤمـن ، بـل فـي يـده يسـتخدمها فـي طاعـة الله .                      هلموا إلى ربكم ..... / ص : 66 / بتصرف .

****************
علامـات الزهـد :
=============
العلامـة الأولـى :
أن لا يفـرح بموجـود ولا يحـزن علـى مفقـود ، كمـا قـال تعالـى :
{ لِكَيْـلاَ تَأْسَـوْا عَلَـى مَـا فَاتَكُـمْ وَلاَ تَفْرَحُـوا بِمَـا آتَاكُـمْ ... } .               سورة الحديد / آية : 23 .

العلامـة الثانيـة :
أن يسـتوِي عنـده ذامُّـهُ ومادِحُـهُ .

العلامـة الثالثـة :
أن يكـون اطمئنانـه باللـه تعالـى ، والغالـب علـى قلبـه حـلاوة الطاعـة ، إذ لا يخلـو القلـب عـن حـلاوة المحبـة ، إمـا محبـة الدنيـا ، وإمـا محبــة الله ، وهمـا فـي القلـب كالمـاء والهـواء فـي القـدح ، فالمـاء إذا دخـل خـرج الهـواء ولا يجتمعـان ، وكـل مـن اطمـأن بالله ، انشـغل بـه (1)  ولـم ينشـغل بغيـره .

******************

صحيح نفحات شهر الله المحرم

    بسم الله الرحمن الرحيم هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند رؤية هلال كل شهر قال الإمام الح...