30 ـ وَإِنْ أَتـى التَّحْرِيـمُ فِـي نَفْـسِ العَمَـلْ أَو شــرطِهِ ، فَـذُو فَسَــادٍ وخَلَــلْ
هـذه القاعـدة أصوليـة نَظَمَهَـا الشـيخ السـعدي ـ رحمه الله تعالى ـ ضمـن القواعـد الفقهيـة .
منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
وذكـر الناظـم فـي هـذا البيــت تفصيـلاً يتعلــق بمسـألة أصوليــة ، وهـي : ( اقتضـاء النهـي الفسـاد ) (1) .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
ـ ومـن أدلـة هـذه القاعـدة :
* قـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " لا صـلاة لمـن لـم يقـرأ بفاتحـة الكتـاب " .
رواه الإمام أحمد ، عن عبادة ... / وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /
الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 7513 / ص : 1249 .
* وقولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" لا صـلاة لمـن لا وضـوء لـه ، ولا وضـوء لمـن لـم يذكـر اسـم الله عليـه " .
رواه الإمام أحمد ، عن سعيد بن زيد . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /
ج : 2 / حديث رقم : 7514 / ص : 1249 .
ـ ضابــط القاعــدة :
--------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) أي اقتضاء فعل المنهي عنه فساد العمل ، وبصيغة أخرى : فعل المنهي عنه يقتضي فساد العمل .
التحريـم وإن شـئت فقـل : النهـي ، والنهـي فـي العبـادات :
تـارة يرجـع إلـى نفـس العمـل أو شـرطه ، وفـي هـذه الحالـة يفسـد العمـل .
وتـارة لا يرجـع النهـي إلـى شـرط العمـل ولا إلـى نفسـه ، ولكـن إلـى سـبب خارجـي ، فـإن العمـل لا يفسـد .
وهـذا كـلام مُجْمَـل .
لـذا نحتـاج أولاً إلـى معرفـة المـراد بالصحيـح والفاسـد مـن العمـل ، حتـى نتصـور الحكـم .
( والفسـاد ) لغـة : ضـد الصـلاح .
والفسـاد عنـد الفقهــاء : عـدم سـقوط القضــاء فـي العبـادات ـ أي عـدم صحـة العبـادة ، وبالتالـي لـم تبـرأ الذمـة منهـا ـ ، وعـدم ترتـب أثـر العقـد عليـه فـي المعامـلات ، وهـو مـرادف للبطـلان عنـد جمهـور الأصولييـن .
الصحيـح : مأخـوذ مـن الصحـة فـي اللغـة ، وهـو ضـد السَّـقم والمـرض .
أمـا الصحـة فـي الشـرع نعرضهـا مـن جهتيـن :
1 ـ الصحـة فـي العبـادات .
2 ـ الصحـة فـي المعامـلات .
" الصحـة فـي العبـادات " ---> فالعبـادات تسـمى صحيحـة إذا أجـزأت وأبـرأت الذمـة وأغنـت عـن القضـاء والإعـادة ، فـإذا توفـرت هـذه الشـروط حكمنـا بصحـة العبـادة .
وبمعنـى آخـر إذا تحققـت الشـروط وانتفـت الموانـع ـ صحـت العبـادة ـ .
فمـن صلـى قبـل الوقـت مثـلاً لـم تصـح صلاتـه ، لأنـه مـن شـروط الصـلاة دخـول الوقـت .0
ومـن صامـت حـال حيضهـا أو نِفاسـها ، لـم يصـح صيامهـا لوجـود مانـع مـن موانـع صحـة الصيـام ألا وهـو كـون المـرأة حائـض أو نُفَسـاء .
وأمـا " الصحيـح فـي المعامـلات " ---> فهـو مـا ترتبـت عليـه أحكـام العقــد المقصـود منـه ، لأن كـل عقـد ومعاملـة يجريهـا الإنسـان يقصـد منهـا مصلحـة ، وبِنـاء علـى ذلـك يكـون فسـاد العقـد إمـا لعـدم تحقـق الشـروط أو لوجـود الموانـع كبيـع المجهـول ـ الغـرر ـ مثـلاً .
منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / ص : 83 / بتصرف .
ـ ومـن أمثلـة هـذه القاعـدة فـي " العبـادات " :
* لـو صلـى رجـل فـرض الظهـر سـتًّا عالمًـا عامـدًا ، هـذه الصفـة فـي العمـل أو فـي شـرطه ؟
فـي العمـل ، إذًا الصـلاة باطلـة .
* مـن شـروط الصــلاة الطهـارة ، فلـو صلـى الصـلاة بهيئـة تامـة ؛ لكـن كـان محدِثًـا عامـدًا ، فمـا
حكـم صلاتـه ؟ باطلـة . هنـا التحريـم راجـع إلـى شـرط العمـل ، والأول راجـع إلـى نفـس العمـل .
* [ ومـن صلـى قبـل الوقـت لـم تصـح صلاتـه ، لأن مـن شـروط الصـلاة دخـول الوقـت ] .
ـ ومـن أمثلـة هـذه القاعـدة فـي " المعامـلات " :
مـن شـروط البيـع " العلـم بالمبيـع " ـ للنهـي الـوارد عـن بيـع الغـرر ـ فلـو بـاع حَمْـلاً ، مـا حُكـم البيـع ؟ حكمـه التحريـم ، والتحريـم رجـع إلـى شـرط مـن شـروط البيـع إجمـالاً ، وبصيغـة أخـرى لوجـود مانـع مـن موانـع البيـع .
منظومة القواعد ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .
هـل كـل محـرم يفسـد العمـل مـن أصلـه ؟
لا ، ليـس كـل منهـي عنـه يفسـد العبـادة إلا بقيـد مهـم وهـو أن يكـون منهيًّ عنـه فـي هـذه العبـادةبالـذات ، فهنـاك فـرق بيـن التحريـم العـام والخـاص ، فمـا كـان تحريمًـا خاصًّـا فـي عبـادة أو معاملـة فإنـه يبطلهـا ، ومـا كـان عامًّـا لا يبطلهـا مـع التحريـم والإثـم । مثالـه : لو أكـل الصائـم أو شـرب بَطَـل صيامـه لأنـه محـرم عليـه ذلـك حـال صومـه ، ولكـن لو اغتـاب النـاس حـال صيامـه ، لـم يبطـل الصيـام ولكنـه آثـم । لمـاذا ؟ ! . لأن الأكـل والشـرب محـرم فـي الصيـام بخصوصـه . والغيبـة محرمـة عمومًـا ، فـي الصيـام وغيـر الصيـام .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 81 / بتصرف .
حاصـل كـلام الناظـم : أن المحـرم إذا وقـع في نفـس العمـل ، يعنـي فـي أركانـه وواجباتـه ، أو شـرطه ، فـذو فسـادٍ وخلـل ، أي يوجـب فسـاد العمـل وخللـه .
وبيـان هـذا التفصيـل أن ننظـر إلـى متعلـق النهـي ومرجعـه ، فـإن كـان النهـي متعلقًـا بـذات الفعـل وراجعًـا إلـى ركـن مـن أركانـه ، أو شـرطٍ مـن شـروطه ، كالنهـي عـن بيـع الخمـر والخنزيـر ، والنهـي عـن الصـلاة بـدون طهـارة ، أو قبـل دخـول الوقـت ، فإنـه يقتضـي فسـاد العمـل .
وإمـا إن كـان النهـي متعلقًـا بوصـفٍ خـارجٍ ، ولا يرجـع إلـى ذات الفعـل ولا شـرطه ، فإنـه لا يقتضـي الفسـاد بـل يُحكـم عليـه بالصحـة ، لتوفـر شـروط الفعـل وأركانـه ، ويُحكـم علـى الفاعـل بالإثـم لارتكابـه الفعـل المنهـي عنـه . وذلـك كمـن صلـى وعليـه عمامـة مـن حريـر ، أو لابسًـا خاتمًـا مـن
ذهـب ، فصلاتـه صحيحـةٌ لتوفر شـروطها وأركانهـا ، ولُبْسُـهُ لعمامـة الحريـر أو خاتَـم الذهـب محـرمٌ .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
================
31 ـ وَمُتْلــفُ مُؤْذِيـهِ لَيْـسَ يَضْمَــنُ بَعْــدَ الدِّفــاعِ بِالتـي هِـيَ أَحْسَــنُ
قـول الناظـم : [ مُتلـف ] :
مـن التلـف ، وهـو إفسـاد الشـيء وإزهاقـه ، قالـه الزبيـدي فـي " شـرح القامـوس " .
وقولـه [ مؤذيـة ] : مـن الإيـذاء ، وهـو إيصـال المكـروه .
[ الضمـان ] : التـزام العِـوَض ورد المثـل .
[ بعـد الدفـاع بالتـي هـي أحسـن ] : أي الدفـاع بالأقـل فالأكثـر حسـب الحـال .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
ومعنـى كـلام الناظـم ـ رحمه الله ـ :
أن مـن أتلـف صائـلاً (1) لدفـع أذاه فـلا ضمـان عليـه ؛ لأن الصائـلَ هـو المعتـدي والظالـم ، ولكـن بشـرط الدَّفـع بالتـي هـي أحسـنُ ، أي : لا يكـون الدَّافـعُ متعديًـا فـي دفعِـه ، فمـن أمكـن دفعُـه بالتهديـد فـلا يُضـرَبُ ، ومـن أمكـن دفعـه بالضـرب فـلا يجـوز دفعـه بالقتـلِ ؛ لقولـه تعالـى :
{ ... ادْفَـعَ بِالَّتِـي هِـي أَحْسَـنُ ... } . سورة فصلت / آية : 34 .
فـإن تعـدَّى فـي الدفـاع فهـو ضامـن .
وأمـا إن كـان المتْلَـف ـ بفتـحِ الـلامِ ـ غيـرَ الصائـلِ فيجـب ضمانُـه ، وهـذا مـا عبَّـر عنـه الحافـظ ابـن رجـب ـ [ فـي قواعـده ] * ـ بقولـه : ( مـن أتلـف شـيئًا لدفـع أذاه ـ [ لـه ] * ـ لـم يضمنْـه ، ومـن أتلفـه لدفـع أذًى بـه ضِمنـه ) (2) .
وهـذا أقـرب إلـى المسـائل الفقهيـة منـه إلـى القواعـد .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
-------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) الصائل : هو الذي يهاجم ويعتدي . [ منظومة ... / عبيد الجابري ] .
( 2 ) قواعد ابن رجب ( 1 / 206 ) ، القاعدة السادسة والعشرون . الدرة المرضية ... / ص : 81 .
( * ) ما بين المعكوفتين تَصَرُّف .
· ومثـــال ذلــك :
* إذا كـان المسـلم محرِمـًا ، وصـال عليـه ضبـع ، فقتلـه المسـلم المحْـرِم لدفـع الأذى عـن نفسـه .
فـلا إثـم علـى المسـلم ولا ضمـان عليـه . ولكـن عليـه الدفـع بالتدريـج ، أي الدفـاع بالتـي هي أحسـن ، فـإن اسـتطاع أن يدفـع الأذى بغيـر إتـلاف ؛ فَعـل ، وإذا لـم يسـتطع واسـتطاع إتـلاف البعـض دون الكُـل ، فَعـل ، فـإن لـم ينصـرف الأذى ، أتلـف الكـل للضـرورة .
* أمـا إذا أتلفـه لدفـع أذاه بـه ، ضمنـه ـ أي عليـه عِـوَض ـ فـإذا اضطـر إلـى صيـد ، وهـو مُحْـرِم ، فأتلَفـه لضرورتـه ، أي كـان يهلـك جوعـًا فاضطـر للصيـد وهـو محـرِم ليأكـل ويدفـع الهـلاك عـن نفسـه بـه ، فإنـه يضمـن ولا إثـم عليـه .
o لطيفـــة :
ـ يَحْـرُم الصيـد علـى المسـلم داخـل مكـة حتـى لـو لـم يكـن مُحْرِمًـا لأن مكـة كلهـا حـرم ، ويحـرم الصيـد علـى المحـرم حتـى لـو كـان خـارج مكـة .
ـ الضبـع حـلال أكلـه ، فهـو مسـتثنى مـن ذي نـاب .
ـ هـذه القاعـدة مبنيـة على قاعـدة : " الضـرورة تبيـح المحظـور " وقـد سـبقت وقـال فيهـا الناظـم :
" وليـس واجـب بـلا اقتـدار ولا محـرم مـع اضطـرار " .
ـ مـن أدلـة هـذه القاعـدة :
* عـن قابـوس بـن مُخـارِقٍ ، عـن أبيـه ، قـال وسـمعتُ سُـفيان الثـوريَّ يحـدِّثُ بهـذا الحديـث ، قـال : جـاء رجـلٌ إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فقــال : الرجـلُ يأتينـي فيريـدُ مالـي ؟ ! قـال :
" ذكِّـره بالله " . قـال : فـإن لـم يذَّكَّـر ؟ قـال : " فاسـتعن عليـه مـن حولـك من المسـلمين " . قـال : فـإن لـم يكـن حولـي أحـدٌ مـن المسـلمين ؟ قـال : " فاسـتعن عليـه بالسـلطان " . قـال : فـإن نـأى السـلطانُ عنـي ؟ . قـال : " قاتـل دون مالِـك ، حتـى تكـونَ مـن شـهداء الآخـرةِ ، أو تمنـعَ مالَـكَ " .
سنن النسائي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 37 ) ـ كتاب : تحريـم الـدم / ( 21 ) ـ
باب : ما يَفعَلُ مَنْ تُعرِّضَ لِمَالِهِ / حديث رقم : 4081 / ص : 630 / حسن صحيح .
* عـن عِمـرَانَ بـنِ حُصَيـنٍ ، قـال : قاتـل يعلـى رجـلاً ، فعـض أحدهمـا صاحِبَـه ، فانتـزع يـده مـن فيـه فَنَـدَرَتْ ثنيتُـه ، فاختصمـا إلـى رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فقـال : " يَعَـضُّ أحدكـم
أخـاه كمـا يَعَـضُّ الفحْـلُ !! لا دِيَـةَ لـه " .
سنن النسائي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 46 ) ـ كتاب : القِسامة / ( 18 ، 19 ) ـ باب :
الْقَوَدُ من العَضَّة ، ... / حديث رقم : 4760 / ص : 727 / صحيح .
=============
32 ـ " وأَل " تًُفِيــدُ الكُـلَّ فِـي العُمُـومِ فِـي الجَّمْــعِ والإِفْـــرَادِ كَالعَلِيــمِ
33 ـ والنَّكِــراتُ فِـي سِـيَاقِ النَّفْــي تُعْطِــي العُمُــومَ أَوْ سِـياقِ النَّهْــي
34 ـ كَـذَاكَ " مَنْ " و " مَا " تُفِيـدَانِ مَعَا كُــلَّ العُمُــومِ يَـا أُخَــيَّ فاسْــمَعَا
35 ـ وَمِثْلُــهُ المُفْـــرَدُ إِذْ يُضــافُ فَافهـم ـ هُدِِيـتَ الرُّشـدَ ـ مَـا يُضَـافُ
الأبيـات ( 32 ، 33 ، 34 ، 35 ) هـذه الأبيـات تتعلـق بذكـر ألفـاظ العمـوم 0 وهـذا مـا ذهـب إليـه الجمهـور 0فقـد ذهـب جمهـور الأصولييـن والفقهـاء واللُّغَوييـن أن للعمـوم صيغـًا وألفاظـًا 0 وقـد ذَكـر أنـه قـول الجمهـور غيـرُ واحـدٍ ، كأبـي المعالـي الجُوَينـي فـي كتابـه " البرهـان " ، والغَزَّالـي فـي كتابـه " المسـتصفى " ، والقرافـي فـي كتـاب لـه عـن ألفـاظ العمـوم ، وغيرهـم .
واقتصـر الموفـق بـن قُدامَـة ـ رحمه الله ـ في : " الروضـة " على خمـس صيـغ تَبِعَـهُ الناظم هنـا فذكرهـا .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 104 .
فشـرع الناظـم فـي بيـان بعـض الألفـاظ التـي يُسـتفاد منهـا العمـوم لغـة ، وهـذه تعتبـر مباحـث فـي علـم الأصـول .
ذكرهـا الأصوليـون وغيرهـم لتوقـف الاسـتدلال بالنصـوص علـى معرفتهـا .
وبـدأ بـأداة التعريـف ( أل ) علـى مذهـب الخليـل بـن أحمـد ، أمـا علـى مـا ذهـب إليـه الجمهـور ، فنقـول ( لام التعريـف ) لأن التعريـف عندهـم حاصـلٌ بالـلام وحدهـا ، والألـف للوصـل ، بدليـل سـقوطها فـي دَرَجِ الكـلام ، ولـو كانـت للقطـع لثبتـت .
قـال ابـنُ مالـكٍ :
( أل ) حـرف تعريـف أو الـلامُ فقـط فنمـطٌ عَرَّفْـتَ قُـلْ فيـه النَّمـطْ .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
و " أل " تفيــدُ الكـلِّ فـي العمــومِ
فـي الجمــعِ والإفــراد كالعليــم .
أنـواع " أل " :
المعـرف بـ ( أل ) لـه ثـلاث حـالات :
أ ـ الاسـتغراق :
" أل " الاسـتغراقية ، تفيـد العمــوم ، ويحـل محلهـا كلمــة " كـل " ، ـ وهـي المقصـودة فـي مقامنـا
هـذا ، وسـيأتي شـرحها ـ .
ب ـ العهـــد :
" أل " تفيـد العهـد (1) ، والعهـد : إمـا ذِكـري ، وإمـا حضـوري ، وإمـا ذهنـي .
§ مثــال " أل " التـي تفيـد العهـد الذكـري :
قولـه تعالـى : { إِنَّـا أَرْسَـلْنَا إِلَيْكُـمْ رَسُـولاً شَـاهِدًا عَلَيْكُـمْ كَمَـا أَرْسَـلْنَا إِلَـى فِرْعَـوْنَ رَسُـولاً * فَعَصَـى فِرْعَـوْنُ الرَّسُـولَ فَأَخَذْنَـاهُ أَخْـذًا وَبِيـلاً } . سورة المزمل / آية : 15 ، 16 .
" أل " الرسـول تفيـد العهـد الذكـري ، أي (2) الـذي سـبق ذِكـره .
§ مثــال " أل " التـي تفيـد العهـد الحضـوري :
كـأن تقـول : " أكـرِم الرجـل " ، وأنـت تريـد رجـلاً حاضـرًا فـي المجلـس .
§ مثــال " أل " التـي تفيـد العهـد الذهنـي :
كـأن تقـول " ذهـب الإمـام إلـى كـذا " ، وفي أذهاننـا أنـك تقصـد الإمـام أحمـد ، أو الإمـام مالـك ... .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 257 / بتصرف .
ج ـ لبيـان الجنـس :
و " أل " هنـا لا تفيـد العمـوم فـلا يحـل محلهـا " كـل " . ومثالـه : " الرجـل خيـر مـن المـرأة " أو الرجـال خيـر مـن النسـاء " ، وهـذا قطعـًا لا يـراد بـه أن كـل رجـل خيـر مـن كـل امـرأة 0 ولكـن المـراد جنـس الرجــال إجمـالاً خيــر مـن جنـس النســاء إجمـالاً ، وإن كـان قـد يوجـد مـن أفـراد
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) " أل " العهدية : هي التي يُراد بها إرجاع الكلام إلى معهود مصاحب سابق . ولا يستفاد منها العموم .
منظومة القواعد ... / الشثري .
( 2 ) أي الرسول الذي سبق ذِكره .
النسـاء مـن هـو خيـر مـن بعـض الرجـال .
الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 259 / بتصرف .
o لطيفـــة :
ـــــــ
إذا كانـت الكلمـة مكونـة مـن حـرف ، ذُكِـرَتْ باسـمها ، كالحـروف الهجائيـة ، فيقـال : همـزة ، وكـاف ، ونـون ونحـو ذلـك .
وإذا كانـت مكونـة مـن حرفيـن أو أكثـر ، ذُكِـرَت بمسـماها لا باسـمها ، نحـو " أل " ، فيقـال " أل " ولا يقـال ألـف لام .
[ ذكر هذه القاعدة اللغوية ابن هشام ـ رحمه الله ـ في " مغني اللبيب " ] .
مجموعة الفوائد البهية على ... / ص : 104 / بتصرف .
قـال الناظـم ـ السـعدي ـ :
وأل تفيــد الكـلِّ فـي العمــوم فـي الجمــع والإفـراد كالعليــم
* هـذه القاعـدة مـن القواعـد المهمـة ، والتـي يحتـاج إليهـا المتفقـه فـي ديـن الله .
إذا دخلـت " أل " ـ الاسـتغراقية ـ على اسـم أفـادت العمـوم (1) سـواءٌ كـان الاسـم مفـردًا أم كـان جمعـًا .
* فدخولهـا علـى المفـرد مثـل :
§ قولـه تعالـى : { وَالْعَصْـرِ * إِنَّ الإِنسَـانَ لَفِـي خُسْـرٍ * إِلاَّ الَّذِيـنَ آمَنُـوا ... } .
سورة العصر / آية : 1 : 3 .
أي كـل إنسـان فـي خسـر ولم يقـل سـبحانه : ـ " إن الإنسـان خاسـر " ـ ، لأن تعبيـر القـرآن أبلـغ ، لأن " فـي " للظرفيـة ، فيكـون الخسـر محيطًـا بـه مـن كـل جانـب كإحاطـة الإنـاء بمـا فيـه 0 فكـل إنسـان فـي خُسـر ، لا يختـص بإنسـان دون غيـره ، إلا مـن اسـثني ، وهـم : الذيـن آمنـوا بقلوبهـم ، وعملـوا الصالحـات بجوارحهـم ، وتواصـوا بالحــق الـذي هـو : العلـم النافــع ، والعمــل الصالـح ، وتواصـوا بالصَّبـرِ علـى ذلـك ، فهـؤلاءِ هـم الرابحـون ، ومـن فاتـه شـيء مـن هـذه الخصـال كـان
-------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) العموم : هو شمول اللفظ لجميع أفراده دَفْعَةً بلا حصر .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
لـه مـن الخسـار بحسـب مافاتـه .
§ وكذلـك قولـه تعالـى :
{ إِنَّ الإِِنسَـانَ خُلِـقَ هَلُوعـاً * إِذَا مَسَّـهُ الشَّـرُّ جَزُوعـاً * وَإِذَا مَسَّـهُ الْخَيْـرُ مَنُوعـاً * إِلاَّ الْمُصَلِّيـنَ * الَّذِيـنَ هُـمْ عَلَـى صَلاَتِهِـمْ دَائِمُـونَ * وَالَّذِيـنَ فِـي أَمْوَالِهِـمْ حَـقٌّ مَّعْلُـومٌ * لِّلسَّـائِلِ وَالْمَحْـرُومِ * وَالَّذِيـنَ يُصَدِّقُـونَ بِيَـوْمِ الدِّيـنِ * وَالَّذِيـنَ هُـم مِّـنْ عَـذَابِ رَبِّهِـم مُّشْـفِقُونَ } .سورة المعارج / آية : 19 : 27 .
أي كـل واحـد مـن النـاس هـذه صفتـه ، إلا مـن أخرجـه عـن هـذه الصفـات المذمومـة إلـى صفـات الخيـر التـي هـي أضدادهـا .
§ وحديـث " المسـلم مـن سـلم المسـلمون مـن لسـانه ويـده " .
* فعـن ابـن جُرَيـج ، أنـه سـمِع أبـا الزبيـر يقـول : سـمعتُ جابـرًا يقـول : سـمعتُ النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول : " المسـلم مـن سَـلِـمَ المسـلمون مـن لسـانِهِ ويـده " .
صحيح مسلم . متون / ( 1 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 14 ) ـ باب : بيان تفاضل
الإسلام ، وأي أموره أفضل / حديث رقم : 65 ـ ( 41 ) / ص : 24 .
المسـلم ---> اسـم مفـرد ، دخـل عليـه " أل " التعريـف الاسـتغراقية ، أفـادت العمـوم والاسـتغراق لجميـع المعنـى . وجميـع المعنـى هنـا ، أي جميـع معنـى المسـلم الحـق ، أي تفيــد ـ [ صفـات ] ـ الكمـال ـ [ اللائقـة بالمخلـوق ] .
وتفصيــل ذلــك :
أن المسـلم المتصـف بكـل صفـات المسـلم الحـق الكامـل أو بكـل ما ينبغـي أن يتصـف بـه المسـلم الحـق الكامـل ، وليـس كـل مسـلم ، هـو الـذي يسـلم المسـلمون مـن لسـانه ويـده .
فمـن المسـلمين مـن لا يسـلم المسـلمين مـن لسـانه ويـده ، فهـذا مسـلم لكنـه لـم يتصـف بكـل صفـات المسـلم الحـق ، فهـو فاقـد للكمـال ، ولا نخرجـه مـن ملـة الإسـلام ، فالحـدود وردت فـي حـق المسـلم أصـلاً ، فالـذي تُقطـع يـده مسـلم ، والـذي يرجـم مسـلم ، ولكنـه فاقـد للكمـال . والكمـال منـه مـا هـو واجـب ومنـه مـا هـو مسـتحب .
فهـو فاقـد للكمـال الواجـب فيمـن زنـا أو سـرق ، ... ولذلـك انتفـى عنـه الإيمـان الحـق .
* فعـن أبـي هريـرة ، أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :
" لا يزنـي الزانـي حيـن يزنـي وهـو مؤمـن ، ولا يسـرق حيـن يسـرق وهـو مؤمـن ، ولا يشـرب
الخمـر حيـن يشـربُها وهـو مؤمـن ، والتوبـة معروضـةٌ بعـدُ " .
صحيح مسلم . متون / ( 1 ) كتاب : الإيمان / ( 24 ) ـ باب : بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ،
ونفيه عن المتلبس بالمعصية ، على إرادة نفي كماله / حديث رقم : 104 ـ ( 57 ) / ص : 28 .
§ ودخـول " أل " علـى أسـماء الله وصفاتـه :
فكلمـا دَخَلَـتْ " أل " علـى اسـم مـن أسـماء الله ، أو صفـة مـن صفاتـه أفـادت جميـع ذلـك المعنـى ، واسـتغرقته ، وبلغـت نهايتـه . " كالحـيّ القيّـوم " أي الـذي له الحيـاة الكامِلَـةُ المسـتلزمة لصفـات الـذَّات ، والقيوميـّة الكاملـة ؛ الـذي قــام بنفسـه ، وقـام بجميـع الخلـق تدبيـرًا .
" العليـــم " : الـذي لـه العلـم الكامـل الشـامل لكـل معلـوم .
" الرحمـن الرحيـم " : الـذي لـه الرحمـة العامـة الواسـعة لكـل مخلـوق .
" الغنـــيّ " : الـذي لـه الغنـى التـام المطلـق مـن جميـع الوجـوه .
" العلـي ، الأعلـى " : الـذي لـه العلـوّ المطلـق مـن جميـع الوجـوه .
" العظيــم ، الكبيـر ، الجليـل ، الجميـل ، الحميـد ، المجيـد " الـذي لـه جميـع معانـي العظمـة والكبريـاء ،
والجـلال ، والجمـال ، والحمـد والمجـد ، وقـس علـى هـذا بقيـة الأسـماء والصفـات .
ولـو لـم يكـن فـي هـذه القاعـدة إلا هـذا الموضـع الشـريف لكفـى بهـا شـرفًا وعظمـةً .
* دخـول أَلْ علـى الجمـع مثـل :
§ قولـه تعالـى : { يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ أَنتُـمُ الْفُقَـرَاء إِلَـى اللهِ وَاللهُ هُـوَ الْغَنِـيُّ الْحَمِيـدُ }
سورة فاطر / آية : 15 .
وقولـه تعالـى : { يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـواْ رَبَّكُـمُ ... } . سورة الحج / آية : 1 .
يدخـل فـي هـذا الخطـاب جميـع النـاس .
§ وقولـه تعالـى : { ... إِنَّمَـا الْمُشْـرِكُونَ نَجَـسٌ ... } . سورة التوبة / آية : 28 .
يدخـل فيـه كـل مشـرك .
وقولـه تعالــى : { إِنَّ الْمُسْـلِمِينَ وَالْمُسْـلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيـنَ وَالْمُؤْمِنَــاتِ وَالْقَانِتِيـنَ وَالْقَانِتَــاتِ وَالصَّادِقِيـنَ وَالصَّادِقَــاتِ وَالصَّابِرِيــنَ وَالصَّابِــرَاتِ وَالْخَاشِـعِينَ وَالْخَاشِـعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِيــنَ وَالْمُتَصَدِّقَــاتِ وَالصَّائِمِيـنَ وَالصَّائِمَـاتِ وَالْحَافِظِيـنَ فُرُوجَهُـمْ وَالْحَافِظَـاتِ وَالذَّاكِرِيـنَ اللهَ كَثِيـراً وَالذَّاكِـرَاتِ أَعَـدَّ اللهُ لَهُـم مَّغْفِـرَةً وَأَجْـراً عَظِيمـاً } .
سورة الأحزاب / آية : 35 .
فكـل وصـف قـد دخلـت عليـه " أل " فـي هـذه الآيـة يعـم مـا يدخـل فـي هـذا الوصـف .
الدرة المرضية / شرح منظومة القواعد الفقهية / جُمعة صالح محمد / ص : 85 / بتصرف .
================
قـال الناظـم ـ رحمه الله ـ :
33 ـ والنَّكِــراتُ فِـي سِـيَاقِ النَّفْــي تُعْطِــي العُمُــومَ أَوْ سِـياقِ النَّهْــي
حاصـل هـذا البيـت أنـه يتضمـن صيغـة أخـرى مـن صيـغ العمـوم وهـي :
إذا جـاءت النكـرة بعـد النَّفـي ، أو جـاءت بعـد النهـي ، دلَّـت علـى العمـوم والشـمول . وهـذا عليـه
أئمـة الأصـول ، قالـه أبـو المعالـي فـي " البرهـان " ، وبنحـوه قـال العلائـي فـي " تلقيـح الفهـوم " .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 35 . ومجموعة الفوائد البهية ... / ص : 104 .
( النَّكِــراتُ ) : جمـع نَكِـرَة ، وهـي اسـمٌ وُضِـعَ لشـيء لا بعينـه ، ويقبـل دخـول ( أل ) التعريفيـة كرجـلٍ ، وفـرسٍ .
( النَّفْــي ) : ضـد الإثبـات .
( النَّهْــي ) : ضـد الأمـر .
( العُمُــومَ ) : هـو شـمول اللفـظ لجميـع أفـراده دّفْعَـةً بـلا حصـرٍ .
§ فمثـال النكـرة فـي سـياق النفـي :
ـ " لا إله إلا الله " نفـت كـل إله فـي السـماء والأرض ، وأثبتـت إلهيّـة الله تعالـى .
لا إله : " إله " : نكـرة ـ " لا " : أداة نفـي . " لا إله " : نكـرة فـي سـياق النفـي ؛ فهـي تفيـد العمـوم .
" إلا الله " : اسـتثناء وإثبـات لمـا نفيتـه فـي حـق الله وحـده .
والمعنـى : لا إله فـي الوجـود يسـتحق العبـادة سـوى الله .
الدرة المرضية ... / ص : 26 / بتصرف . مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 105 .
ـ وكذلـك : لا حـول ولا قــوة إلا بالله ، أي لا تحـوّل مـن حـال مـن جميـع الأحـوال ولا قـوة علـى
ذلـك التحـول ، إِلاَّ بالله .
ـ وكـذا قولـه تعالـى : { ... وَلاَ يُحِيطُـونَ بِشَـيْءٍ مِّـنْ عِلْمِـهِ إِلاَّ بِمَـا شَـاء ... } .
سورة البقرة / آية : 255 .
لا ---> نفـي . شـيء ---> نكـرة . أي لا يحيطـون بـأي شـيء مهمـا كـان مـن علمـه .
ثـم اسـتثنى مـن عـدم الإحاطـة بـأي شـيء مـن علمـه " مـا شـاء " فقـال سـبحانه :
" إِلاَّ بِمَـا شَـاء " .
وقولـه تعالـى : { يَـوْمَ لاَ تَمْلِـكُ نَفْـسٌ لِّنَفْـسٍ شَـيْئًا ... } . سورة الانفطار / آية : 19 .
يعـم كـل نفـس وكـل شـيء ، فهـذه ثـلاث نكـرات بعـد النفـي تقتضـي عمـوم ذلـك ، وأنـه أي نفـس ، وإن عظـم قدرهـا عنـد الله لا تملـكٍ لأيّ نفـس وإن اشـتد اتصالهـا بهـا ، أي شـيءٍ مـن المنافـع أو دفـع المضـار قليـلاً كـان أو كثيـرًا .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق : العثيمين / ص : 81 / بتصرف .
ومنظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
§ ومثـال النكـرة فـي سـياق النهـي :
ـ قولـه تعالـى : { فَـلاَ تَـدْعُ مَـعَ اللهِ إِلَهـاً آخَـرَ ... } . سورة الشعراء / آية : 213 .
لا ---> نهـي ، إله ---> نكــــرة .
فالنهـي شـامل دعـاء أي إله آخـر غيـر الله .
ـ { وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ للهِ فَـلاَ تَدْعُـوا مَـعَ اللهِ أَحَـداً } . سورة الجن / آية : 18 .
لا ---> نهـي .
شـامل كـل أحـد (1) .
أحـدًا ---> نكـرة فـي سـياق النهـي .
-------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) أي : يعم كل أحدٍ غير الله تعالى .
منظومة ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
فكـل مـن دعـا غيـر الله فقـد وقـع فـي المنهـي عنـه .
ـ [ " وَلاَ تَقُولَـنَّ لِشْـيءٍ إِنِّـي فَاعِـلٌ ذَلِـكَ غَـدًا * إِلاَّ أَن يَشَـاءَ اللهُ ... " .
فـلا تقـول لأي شـيء إنـي فاعـل ذلـك غـدًا ، إلا أن تقـول : إن شـاء الله ] .
سورة الكهف / آية : 23 ، 24 .
الدرة المرضية ... / ص : 86 / بتصرف .
==============
34 ـ كَـذَاكَ " مَـنْ " و " مَـا " تُفِيـدَانِ مَعَـا كُــلَّ العُمُـومِ يَـا أُخَـيَّ فاسْــمَعَا
ـ هـذا البيـت مـن النظـم أفـاد بـه الناظـم أن " مـن " و " مـا " تفيـدان العمـوم المسـتغرق لكـل مـا دخـلا عليـه .
منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / بتصرف .
( معـا ) : المـراد أن كـلاً منهمـا يفيـد العمــوم بمفــرده ، وليـس المـراد أنهمـا يفيـدان العمـوم عنـد
اجتماعهمـا .
( يـا أُخـيَّ ) : تصغيــر ( أخِــي ) وفائدتـه التحبــب وتقريـبُ المنزلــةِ ، وهـذا مـن تواضـع الناظـم
وحُسـن أخلاقـه ، حيـث جعـل الطالـبَ المُخَاطَـبَ بمنزلـةِ الأخ الصغيـر .
والتصغيـر يأتـي لفوائـد أخـرى : كالتقليـل فـي الكميـة نحـو : ( ولـه عنـدي دُرَيْهِمَـاتٌ ) .
وتقريـب الزمـان ، نحـو : ( قُبيـل الفجـر ) .وللتحقيـر نحـو : ( رأيـتُ رُجَيـلاً فاسـقًا ) .
والمعنــى : أن " مـن " و " مـا " مـن الصيـغ التـي تفيــد العمــوم والاسـتغراق 0 أي تفيـدان العمـوم
المسـتغرق لكـل مـا دخـلا عليـه .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
§ " مَـنْ " ---> لا تكـون إلا اسـمية ـ ( أي : اسـم وليسـت حـرف جـر ) ـ ولهـا معـانٍ :
المعنـــى الأول :
الجـزاء والشـرطية ، قـال العلائـي :
اتفـق الأصوليـون الذيـن يقولـون بالعمــوم ، علـى أن : " مَـنْ " إذا أتـت بمعنـى الشـرطية والجــزاء ،فإنهـا تفيـد العمـوم ।
ـ كفولـه تعالـى : { فَمَـن يَعْمَـلْ مِثْقَـالَ ذَرَّةٍ خَيْـراً يَـرَهُ } .
سورة الزلزلة / آية : 7 .
أي : كـل مـن يعمـل مثقـال ذرة خيـرًا يـره .
ـ وكقولـه : { ... وَمَـن يَتَوَكَّـلْ عَلَـى اللهِ فَهُـوَ حَسْـبُهُ ... } .
سورة الطلاق / آية : 3 .
ـ وكقولـه : { ... مَـن يَعْمَـلْ سُـوءاً يُجْـزَ بِـهِ } . سورة النساء / آية : 123 .
المعنـــى الثانــي :
الموصوليـة ـ أي اسـم موصـول ـ ، بمعنـى " الـذي " ، فجمهـور القائليـن بالعمـوم ، علـى أنهـا تفيـد العمـوم إذا أتـت بهـذا المعنـى ، قالـه العلائـي فـي " تلقيـح الفهـوم " .
ـ كقولـه تعالـى : { أَلاَ إِنَّ للهِ مَـن فِـي السَّـمَواتِ وَمَـن فِـي الأَرْضِ ... } . سورة يونس / آية : 66 .
أي : أن لله كـل الـذي فـي السـموات وكـل الـذي فـي الأرض .
المعنـــى الثالــث :
الاســتفهام : اسـم الاسـتفهام اسـم مُبهـم يُسـتَعْلم بـه عـن شـيء ، نحـو :
ـ قولـه تعالـى : { ... فَمَـن يَأْتِيكُـم بِمَـاء مَّعِيـنٍ } (1) . سورة الملك / آية : 30 .
ـ وقولـه تعالـى : { ... مَـن ذَا الَّـذِي يَشْـفَعُ عِنْـدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِـهِ ... } (2) . سورة البقرة / آية : 255 .
وهـي أيضًـا تفيـد العمـوم (3) .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 105 / بتصرف .
§ وأمـا " مـا " فإمـا أن تكـون حرفيـة أو اسـمية ، فـلا تفيـد العمـوم إذا كانـت حرفيـة إلا إذا كانـت بمعنـى النكـرة الموصوفـة أو الشـرطية .
والمقصـود بكونهـا تفيـد النكـرة الموصوفـة :
هـو مـا ذكـره ابـن عصفـور بقولـه : ( أن تكــون بمعنـى الـدوام والاسـتمرار ، كقولـك : " لا أكلمـك مـا دامـت السـموات والأرض " . وهـذا الـذي عليـه جمهــور القائليـن بالعمـوم ، كمـا ذكــره ابـن
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) معنى : فمن ---> ليس لأي حد يأتيكم بماء معين ـ إلا الله ـ .
( 2 ) والمعنى : من ---> ليس لأي أحد أن يشفع عنده سبحانه إلا بإذنه .
( 3 ) ومعنى تفيد العموم ، أي يمكن وضع كلمة " كل " قبل " من " و " ما " ، فيشمل اللفظ لجميع أفراده .
السـاعاتي ، وقطـع بـه العلائـي .
وأمـا إذا كانـت " مـا " اسـمية ، فتأتـي عليهـا معانـي " مَـنْ " السـابقة ، وتأخـذ حكمهـا سِـيَّان .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 106 .
مـن أمثلـة " مـا " الحرفيـة بمعنـى النكـرة الموصوفـة : .....
ـ قولـه تعالـى : { ... وَكُنـتُ عَلَيْهِـمْ شَـهِيداً مَّـا دُمْـتُ فِيهِـمْ فَلَمَّـا تَوَفَّيْتَنِـي كُنـتَ أَنـتَ الرَّقِيـبَ عَلَيْهِـمْ ... } سورة المائدة / آية : 117 .
ـ وقولـه تعالـى : { ... وَأَوْصَانِـي بِالصَّـلاَةِ وَالزَّكَـاةِ مَا دُمْـتُ حَيّـاً } .
سورة مريم / آية : 31 .
مـن أمثلـة " مـا " الاسـمية :
مثــال " مـا " الاسـمية الشـرطية :
ـ قولـه تعالـى : { ... وَمَـا تَفْعَلُـواْ مِـنْ خَيْـرٍ يَعْلَمْـهُ اللهُ ... } . سورة البقرة / آية : 197 .
ـ وقولـه تعالـى : { ... وَمَـا تُقَدِّمُـواْ لأَنفُسِـكُم مِّـنْ خَيْـرٍ تَجِـدُوهُ عِنـدَ اللهِ ... } .
سورة المزمل / آية : 20 .
مثــال " مـا " الاسـمية الموصوليـة :
ـ قولـه تعالـى : { مَـا عِندَكُـمْ يَنفَـدُ وَمَـا عِنـدَ اللهِ بَـاقٍ ... } .
سورة النحل / آية : 96 .
ـ وقولـه تعالـى : { وَللهِ مَـا فِـي السَّـمَوَاتِ وَمَـا فِـي الأَرْضِ ... } .
سورة النجم / آية : 31 . مثــال " مـا " الاسـمية الاسـتفهامية :
مـا أَحَـب العلـوم إليـك ؟ .
ü أمثلـــة تطبيقيــة للقاعــدة :
-----------------------
§ مثــال " مَـنْ " قولـه تعالـى :
{ أَلاَ إِنَّ للهِ مَـن فِـي السَّـمَواتِ وَمَـن فِـي الأَرْضِ ... } . سورة يونس / آية : 66 .
{ مَـنْ عَمِـلَ صَالِحـاً مِّـن ذَكَـرٍ أَوْ أُنثَـى وَهُـوَ مُؤْمِـنٌ فَلَنُحْيِيَنَّـهُ حَيَــاةً طَيِّبَـةً وَلَنَجْزِيَنَّهُـمْ
أَجْرَهُـم بِأَحْسَـنِ مَـا كَانُـواْ يَعْمَلُـونَ } . سورة النحل / آية : 97 .
{ وَلِمَـنْ خَـافَ مَقَـامَ رَبِّـهِ جَنَّتَـانِ } . سورة الرحمن / آية : 46 .
{ ... وَمَـن يَتَّـقِ اللهَ يَجْعَـل لَّـهُ مَخْرَجـاً * وَيَرْزُقْـهُ مِـنْ حَيْـثُ لاَ يَحْتَسِـبُ وَمَـن يَتَوَكَّـلْ عَلَـى اللهِ فَهُـوَ حَسْـبُهُ ... } . سورة الطلاق / آية : 2 ، 3 .
{ ... وَمَـنْ أَصْـدَقُ مِـنَ اللهِ حدِيثـاً } . سورة النساء / آية : 87 .
{ ... وَمَـنْ أَصْـدَقُ مِـنَ اللهِ قِيـلاً } . سورة النساء / آية : 122 .
{ ... وَمَـنْ أَحْسَـنُ مِـنَ اللهِ حُكْمـاً ... } . سورة المائدة / آية : 50 .
{ وَمَـن يَـدْعُ مَـعَ اللهِ إِلَهـاً آخَـرَ لاَ بُرْهَـانَ لَـهُ بِـهِ فَإِنَّمَـا حِسَـابُهُ عِنـدَ رَبِّـهِ ... } .
سورة المؤمنون / آية : 117 .
{ وَمَـن يُطِـعِ اللهَ وَالرَّسُـولَ فَأُوْلَئِـكَ مَـعَ الَّذِيـنَ أَنْعَــمَ اللهُ عَلَيْهِـم مِّـنَ النَّبِيِّيـنَ وَالصِّدِّيقِيـنَ ... } . سورة النساء / آية : 69 .
{ ... وَمَـن يُطِـعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ يُدْخِلْـهُ جَنَّـاتٍ تَجْـرِي مِـن تَحْتِهَـا الأَنْهَـارُ ... } .
سورة النساء / آية : 13 .
{ ... وَمَـن يَتَـوَلَّ يُعَذِّبْـهُ عَذَابـاً أَلِيمـاً } . سورة الفتح / آية : 17 .
{ وَمَـنْ أَحْسَـنُ دِينـاً مِّمَّـنْ أَسْـلَمَ وَجْهَـهُ للهِ وَهُـوَ مُحْسِـنٌ ... } . سورة النساء / آية : 125 .
{ وَمَـن يَرْغَـبُ عَـن مِّلّـَةِ إِبْرَاهِيـمَ إِلاَّ مَـن سَـفِهَ نَفْسَـهُ ... } . سورة البقرة / آية : 130 .
إلـى غيـر ذلـك مـن الآيـات .
وكذلـك الأحاديـث كقولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" يَنْــزِلُ رَبنَـا كُـلَّ لَيْلَــةٍ إِلـى سَـمَاءِ الدنْيـا حيـن يبقـى ثلـث الليـل الآخــرُ ، فَيقُـول : مَـنْ يَدْعُونِـي فَأَسْـتَجِيب لَـهُ ؟ مَـنْ يَسْـأَلُنِي فَأُعْطِيَـهُ ؟ مَـنْ يَسْـتَغْفرُني فَأَغْفِـر لَـهُ " .
رواه الإمام أحمد . عن أبي هريرة / وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... /
الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 8168 / ص : 1357 .
والأحاديـث الَّتـي فيهـا مَـنْ قـال كـذا ، أو مَـنْ فعـل كـذا ، فله كـذا : يعـم كل من قـال أو فعـل ذلـك .
§ ومثــالُ " مـا " قولـه تعالـى :
{ ... لَـهُ مَـا فِـي السَّـمَواَتِ وَمَـا فِـي الأَرْضِ ... } .
سورة البقرة / آية : 255 .
{ ... وَمَـا تَحْمِـلُ مِـنْ أُنثَـى وَلاَ تَضَـعُ إِلاَّ بِعِلْمِـهِ ... } . سورة فاطر / آية : 11 .
{ ... وَمَـا أَنفَقْتُـم مِّـن شَـيْءٍ فَهُـوَ يُخْلِفُـهُ ... } . سورة سبأ / آية : 39 .
{ ... وَمَـا آتَاكُـمُ الرَّسُـولُ فَخُـذُوهُ وَمَـا نَهَاكُـمْ عَنْـهُ فَانتَهُـوا ... } سورة الحشر / آية : 7 . { وَمَـا أَرْسَـلْنَا مِـن قَبْلِـكَ مِـن رَّسُـولٍ إِلاَّ نُوحِـي إِلَيْـهِ ... } .سورة الأنبياء / آية : 25 .
{ ... وَمَـا يَعْـزُبُ عَـن رَّبِّـكَ مِـن مِّثْقَـالِ ذَرَّةٍ فِـي الأَرْضِ وَلاَ فِـي السَّـمَاء ... } .
سورة يونس / آية : 61 .
{ ... وَمَـا لَهُـمْ فِيهِمَـا مِـن شِـرْكٍ وَمَـا لَـهُ مِنْهُـم مِّـن ظَهِيـرٍ } . سورة سبأ / آية : 22 .
فتدبـر هـذه الآيـات ومـا فـي معناهـا ينفتـح لَـكَ بـاب عظيـم مـن أبـواب فهـم النصـوص .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 36 .
===============
35 ـ وَمِثْلُــهُ المُفْـــرَدُ إِذْ يُضــافُ فَافهـم هُدِِيـتَ الرُّشـدَ مَـا يُضَـافُ
( وَمِثْلُــهُ ) : أي مثـل مـا سـبق مـن ألفـاظ العمـوم ، المفـرد المضـاف .
( المُفْـــرَدُ ) : الاسـم الـدال علـى الواحـد ، ويقابلـه المثنـى والجمـع .
( الرُّشـدَ ) : الهدايـة وفعـل الصـواب ، وضـده الغـي والضـلال ، كمـا قـال تعالـى :
{ ... قَـد تَّبَيَّـنَ الرُّشْـدُ مِـنَ الْغَـيِّ ... } . سورة البقرة / آية : 256 .
وَفَـرَّق بعـض أهـل اللغـة بيـن " الرُّشـد " وبيـن " الرَّشَـدِ " ـ بفتـح الـراء والشـين ـ بـأن الأول يُقـال
فـي الأمـور الدنيويـة والأُخرويـة ، أمـا الثانـي فيُقـال فـي الأمـور الأُخرويـة فقـط ، ذكـره الراغـب .
منظومة ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
( فَافهـم هُدِِيـتَ الرُّشـدَ مَـا يُضَـافُ ) .
مـا هـذا التبييـن ـ والدعـاء بالهدايـة لمـا يضـاف ـ فـي الختـام ، مـا سِـره ؟ .0
السـر فـي هـذا ، أن المفـرد المضـاف قسـمان : " عهـدي " و " اسـتغراقي " .
ولهـذا قـال الشـيخ : ( فافهـم هديـت الرشـد مـا يُضـاف ) : فليـس كـل مـا يضـاف يفيـد العمـوم ، ليـس كـل مفـرد مضـاف يفيـد العمـوم .
فالمفـرد المضـاف يفيـد العمـوم إذا كـان لغيـر العهـد ـ يعنـي اسـتغراقي ـ كقولـك أحسِـن إلـى جـارك . أيـن الشـاهد فـي عبارتنـا ؟ هـل أردنـا جـارًا معينًـا بَكْـرًا أم زيـدًا أم سـعيدًا ؟ أبـدًا .
حينمـا يقـول الخطيـب مثـلاً : أكـرِم أخـاك وأحسـن إلـى جـارك .
فهـل يريـد مُعَينًـا ، أم يريـد الاسـتغراق ؟ . يريـد الاسـتغراق .
ولنبيـن الفـرق ، نـورد المثـال الآتـي :
قـال تعالـى : { وَإِن تَعُـدُّواْ نِعْمَـةَ اللهِ ... } . سورة النحل / آية : 18 .
" نِعْمَـةَ اللهِ " هنـا بمعنـى " نِعـم الله " ، بدليـل قولـه تعالـى " لاَ تُحْصُوهَـا " ، وهـو لفـظ يـدل علـى الكثـرة ، فهـذا المفـرد " نعمـة " أُضيـف للفـظ الجلالـة " الله " فأفـاد العمـوم لأنه لغيـر العهـد ، واللفـظ يسـتغرق جميـع نِعـم الله ، الدِينيـة والدنيويـة .
ولـو أن إنسـانًا نجـح فـي الاختبـار فَبُشِّـرَ بالنجـاح فقـال : الحمـد لله علـى نعمـة الله .
فهنـا هـل المفـرد ـ ( نعمـة ) ـ للاسـتغراق أم للعهــد ؟ . للعهــد لأنـه يريـد نعمـة مُحـددة ؛ يعنـي
بهـذا الاسـتبشـار حمـد الله علـى نعمـة النجـاح ـ [ لـذا " نعمـة " هنـا لا تفيـد العمـوم ] ـ .
منظومة القواعد ... / شرح : د . عبيد الجابري / بتصرف .
والدرة المرضية ... / ص : 88 .
ضابـط المفـرد :
لفـظ " المفـرد " يُـراد بـه معنيـان :
· المعنـى الأول : ما يُقابـل " الجملـة " و " شـبه الجملـة " ، بحيـث يشـمل المفـرد : " الواحـد والمثنـى والجمـع " .
[ هـذا المعنـى للمفـرد ؛ هـو مـراد النحـاة ، وليـس مـراد الأصولييـن ] .
· المعنـى الثانـي : إطـلاق لفـظ المفـرد علـى مـا يقابـل المثنـى والجمـع .
[ وهـذا المعنـى للمفـرد هـو مُـراد الأصولييـن ، وهـذا هـو المـراد فـي مقامنـا هـذا ] .
والمفـرد إذا أُضيـف إلـى نكـرة لـم يفـد العمـوم بالإجمـاع ، مثـل سـيارة رجـل .
ســيارة ----> مفـرد أضيفـت إلـى رجــل ----> لا تفيـد العمـوم لأنهـا مضافــة إلـى نكــرة ـ
( رجـل ) ـ [ فالمعنـى يفيـد أنهـا سـيارة واحـدة لرجـلٍ واحـد ، وليسـت سـيارات لرجـال ] .
ومثلـه : قلـم طالـب : هـذا مفـرد أضيـف إلـى نكـرة فـلا يفيـد العمـوم بالاتفـاق والإجمـاع .
ـ وحاصـل هـذا البيـت :
أن المفـرد المضـاف إلـى معرفـة ؛ يفيـد العمـوم إذا كـان لغيـر العهـد ـ يعنـي اسـتغراقي ـ .
منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .
§ ومثالــه قولـه تعالـى :
{ وَأَمَّـا بِنِعْمَـةِ رَبِّـكَ (1) فَحَـدِّثْ } .
{ ... وَإِن تَعُـدُّواْ نِعْمَـتَ اللهِ (2) لاَ تُحْصُوهَـا ... } . سورة إبراهيم / آية : 34 .
يعـم كـل نعمـة : دينيـة أو دنيويـة ، وقولـه : " يـا عبـادي " وهـو كثيـر فـي الكتـاب والسـنة ، يدخـل
فيـه جميـع العبـاد ، وقولـه :
{ سُـبْحَانَ الَّـذِي أَسْـرَى بِعَبْـدِهِ (3) ... } . سورة الإسراء / آية : 1 .
{ تَبَـارَكَ الَّـذِي نَـزَّلَ الْفُرْقَـانَ عَلَـى عَبْـدِهِ (3) ... } . سورة الفرقان / آية : 1 .
إشـارة إلـى قيامـه بجميـع وظائـف العبوديـة ـ كلهـا ـ .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 37 .
===============
36 ـ ولاَ يَتِـمُّ الحُكْــمُ حَتَّـى تَجْتَمِـعْ كُـلُّ الشُّــرُوطِ والمَوَانِــعْ تَرْتَفِــعْ
( الحُكْــمُ ) : أصلـه فـي اللغـة المنـع ، ومنـه قـول جريـر الكلبـي :
ابنَـي حنيفـة أَحْكِمُـوا (4) سُـفهاءَكُم إنـي أخـافُ عليكـمُ أن أغضبـا .
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) نعمة ---> مضاف . ربك ---> مضاف إليه .
( 2 ) نعمة ---> مضاف . الله ---> مضاف إليه .
( 3 ) عبد ---> مضاف . الهاء ---> ضمير ، مضاف إليه .
( 4 ) أحكموا سفهاءكم : أي امنعوا سفهاءكم .
وقـد عـرف الأصوليـون الحكـم : بأنـه خطـاب الله ـ تعالـى ـ المتعلـق بأفعـال المكلفيـن ، اقتضـاء (*) ، أو تخييـرًا (#) أو وضعًـا .
الدرة المرضية ... / ص : 57 .
ü والحُكـم نوعـان :
الأول : حكــمٌ شـرعي ، سـواء أكـان تكليفيًّــا (2) أم وضعيًّــا (3) ، وهـو المقصــود فـي كــلام الناظـم ـ رحمه الله ـ .
والثانـي : حُكـمٌ عقلـي ، وهـو غيـر مقصـود هنـا ، كالأحكـام العدديـة وغيرهـا .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 108 .
( الشُّــرُوطِ ) : جمـعُ شَـرْطٍ ، وأمـا الشَّـرَطُ ـ بفتـح الشـين والـراء ـ فجمعـه أشـراطٌ ، ومنـه أشـراطُ السـاعةِ ، أي : علاماتُهـا .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
أنـواع الشـروط ثلاثـة :
الأول : شـرط الصحـة : وهـو مـا يلـزم مـن عدمـه عـدم الصحـة ، ولا يلـزم مـن وجـوده الإيجـاد .
مثالــه : يشـترط لصحـة الصـلاةِ الوضـوء ، وإذا انعـدم الوضـوء ـ عنـد الصـلاة ـ انعدمـت صحـة الصـلاة . فيلـزم مـن عـدم الشـرط عـدم صحـة الصـلاة . لكـن هـل يلـزم مـن وجـود الطهـارة ( أي الوضـوء ) أداء الصـلاة ؟ لا يلـزم لأن الإنسـان قـد يتوضـأ لأمـر غيـر الصـلاة ، كـأن يتوضـأ مثـلاً لقـراءة القـرآن ونحـو ذلـك .
الثانـي : شـرط الأداء : وهـو مـا يلـزم مـن وجـوده أداء العبـادة .
مثالـه دخـول وقـت الظهـر مثـلاً ، يلـزِمُ أداء صـلاة الظهــر ، فشـرط أداء صـلاة الظهـر دخـول الوقـت .
------------------------------------------------------------------------------
( * ) اقتضاء : أي وجوبًا . ( # ) تخييرًا : أي استحبابًا .
( 2 ) الأحكام التكليفية خمسة أنواع وهي :
الإيجاب ، التحريم ، الاستحباب ، الكراهة ، الإباحة . [ الواضح في أصول الفقه ... / ص : 34 ] .
( 3 ) الأحكام الوضعية : الحكم الوضعي هو خطاب الله بجعل أمر ما علامة على أمر آخر .
والأحكام الوضعية خمسة ، وهي : السبب ، الشرط ، المانع ، الصحة ، الفساد . [ الواضح في ... / ص : 48 ] .
الثالـث : شـرط الوجـوب : وهـو مـا يلـزم مـن وجـوده وجـوب العبـادة ، ويلـزم مـن عدمـه ، عـدم وجـوب العبـادة . مثالــه : الحـج شـروط وجوبـه هـي : الإسـلام ، الاسـتطاعة ، الحريـة ، البلـوغ .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .
وسـبق شـرح تعريـف الشـرط بالتفصيـل ، وذلـك عنـد شـرح قاعـدة ( 11 ) : [ والنيـة شـرط ... ] .
( الموانـع ) : واحدهـا مانـع ، وهـو اسـم فاعـل مـن المنـع .
وفـي الاصطـلاح تعريفـات وحـدود لـه ، منهـا :
مـا يلـزم مـن وجـوده العـدم ، ولا يلـزم مـن عدمـه وجـود ولا عـدم لذاتـه .
مثالــه : الحيـض مانـعٌ لصحـة الصـلاة ، فيلـزم مـن وجـوده عـدم الصـلاة ، لكـن لا يلـزم مـن عدمـه وجـود ولا عـدم للصـلاة ، لذاتـه (1) .
وحاصـل كـلام الناظـم ـ رحمه الله ـ : هـو تقريـر قاعـدة كليـة وهـي :
" أن الحكـم الشـرعي لا يتـم إلا باسـتكمال شـروطه وانتفـاء موانعـه " .
قـال شـيخ الإسـلام فـي " المجمـوع " : " اتفـق علـى ذلـك أهـل العلـم ، ولا خـلاف بينهـم فـي ذلـك ، ولكنهـم اختلفـوا في تنزيلهـا علـى بعـض القضايـا الشـرعية والعقليـة " . وحكـى الاتفـاق غيـر واحـد ، كالغّزَّالـي فـي : " المسـتصفى " ، والآمـدي فـي : " الإحكـام " .
مجموع الفوائد البهية ... / ص : 109 / بتصرف .
وهـذا أصـل كبيـر مُطَّـرِدُ الأحكـام ، يُرجـع إليـه فـي الأصـول والفـروع . وهـذه القاعـدة مـن القواعـد المعلومـة بالتتبـع والاسـتقراء ، ويحصـل بها نفـع عظيـم ، وينفتـح بهـا بـاب مـن أبـواب فهـم النصـوص المطلقـة التـي طالمـا كثـر فيهـا الاضطـراب والاشـتباه .
وهـذه القاعـدة الكليـة لابـد مـن مراعاتهـا عنـد تنزيـل الأحكـام الشـرعية عمومًـا ، فهـي قاعـدة نافعـة عامـة فـي كـل المسـائل والأبـواب الفقهيـة .
ودليلهــا :
دليـل كـل شـرط ، ودليـل كـل مانـع : فمـن موجـب أن يكـون الشـيء شـرطًا ، ألا يوجـد الحكـم إلا بوجـوده ، ومـن ثمـرة كـون الشـيء مانعًـا ألا يوجـد الحكـم إلا بعدمـه .
ومعنـى هـذا الأصـل : أن الأحكــام لا تتـم ولا يترتـب عليهـا مقتضاهـا والحكــم المعلـق بهـا حتـى
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) أي : قد ينعدم وجود الحيض ، ولكن قد يوجد موانع أخرى مثل الجنابة أو ... .
تتـم كـل شـروطها ، وتنتفـي كـل موانعهـا (1) ، أمـا إذا عدمـت الشـروط ، أو وُجـدت الشـروط ولكـن قـام مانـع لـم يتـم الحكـم ، ولـم يترتـب عليـه مقتضـاه لعـدم وجـود الشـرط ، أو لوجـود المانـع 0 فأحـد الشـرطين وجـودي والآخـر عدمـي .
ـ مـن تطبيقاتهـا وتنزيلهـا علـى الأحكـام الشـرعية :
ü الدعـاء لا يسـتجاب إلا بتوفـر شـروطه وانتفـاء موانعـه .
ü التوحيـد لا يُثمـر ثمراتِـه إلا بتوفـر شـروطه كالصـدق والإخـلاص ، والمتابعـة ... ، وانتفـاء موانعـه كالشـرك والبدعـة والمعصيـة .
فالتَّوْحيـد مثمـر لكـل خيـر فـي الدنيـا والآخـرة ، ودافـع لكـل شــر فيهمـا ، ولكـن لا تحصـل هـذه الأمـور إلا باجتمـاع شـروطه ، وانتفـاء موانعـه .
فأمـا شـروطه فهـي علـى : القلـب ، واللسـان ، والجـوارح .
أمَّـا الـذي علـى اللسـان فهـو النطـق بالتوحيـد ، وجميـع أقـوال الخيـر متممـات لـه .
وأمَّـا الـذي علـى القلـب فهـي إقـراره وتصديقـه ومحبتـه للتوحيـد وأهلـه ، وبغضـه للشـرك وأهلـه ، ومعرفـة القلـب لمعنـاه ويقينـه بـه .
وأما الـذي على الجـوارح ، فهو انقيادهـا للعمـل بالتوحيـد وأعمالـه الظاهـرة والباطنـة ، هـذه شـروطه .
وأمَّـا موانعـه ومفسـداته ، فهـي ضـدّ هـذه الشـروط ، أو ضـد بعضهـا ، وَجِمَـاعُ الموانـع أنهـا : إمـا شـرك ، وإمـا بدعـة ، وإمـا معصيـة .
فالشـرك نوعـان : أكبـر واصغـر .
فالشـرك الأكبـر يمنعـه ويبطلـه بالكليـة ، والشـرك الأصغـر ، والبدعـة وسـائر المعاصـي تُنَقِّصُـهُ بحسـبها ، ولا تزيلـه بالكليـة ، فـإذا فهمـت هـذا فهمـت النصـوص التـي فيهـا : أن مَـنْ أتـى بالتوحيـد حصـل لـه كـذا واندفـع عنـه كـذا ، وكذلـك النصـوص التـي فيهـا مـن قـال كـذا أو عمـل كـذا : إنـه ليـس مجـرد القـول ، إنمـا المـراد بـه القـول التـام والعمـل التـام ، وهـو الـذي
----------------------------------------------------------------------------
( 1 ) المانع في الاصطلاح : هو ما يلزم من وجوده العدم ، ولا يلزم من عدمه وجودٌ ولا عدم لذاته ، كالحيض مع الصلاة فهو مانع منها .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 109 .
اجتمعـت شـروطه وانتفـت موانعـه .
ومـن أعظـم شـروط الأعمـال كلهـا : الإخـلاص ، وكونهـا علـى السُّـنَّةِ .
ü وكذلـك الميـراث : لا يـرث إلا شـخص قـام بـه شـرط الإرث ، وهـو : مـوت المـورِّث ، وتحقـق حيـاة الـوارث عند مـوت المـورِّث ، وانتفـى عنه مانعـه وهـو ( القتـل العمـد العـدوان ، واختـلاف الديـن ) .
رسالة القواعد ... / للسعدي .
ü الوصيـــة :
مـن شـروط الوصيـة أن تكـون الثلـث فمـا دونـه ، وأن تكـون لغيـر وارث .
فلـو زادت علـى الثلـث أو أوصـى لـوارث ، لـم تكـن الوصيـة نافـذة لوجـود مانـع 0 لكـن لـو أوصـى لغيـر وارث بالثلـث فمـا دونـه وكـان بالغًـا عاقـلاً ، كانـت الوصيـة صحيحـة نافـذة .
منظومة القواعد ... / د .عبيد الجابري .
* الحكـم علـى المعيـن :
مـن المسَـلَّم بـه عنـد أهــل السـنة والجماعـة : أننـا لا نجـزم لأحـدٍ مـن هـذه الأمـة بجنـة ولا نـار .
فـإذا قيـل : كيـف ذلـك مـع قولـه تعالـى : { إِنَّ الَّذِيـنَ آمَنُـوا وَعَمِلُـوا الصَّالِحَـاتِ كَانَـتْ لَهُـمْ جَنَّـاتُ الْفِـرْدَوْسِ نُـزُلاً } .
سورة الكهف / آية : 107 .
فَيُـرَدّ علـى هـذا : بـأن هـذا حكـم مطلـق ، أي الآيـة على الإطـلاق دون تخصيـص للحكـم بأحـدٍ معيـن ، وأمـا القاعـدة فهـي تفيـد الحكـم علـى الْمُعَيَّـن ، فالشـخص المعيـن المعـروف بزيـد أو عبيـد أو ..... ، لا يُحكـم لـه بالجنـة ، حتـى تتوفـر لـه شـروط دخـول الجنـة ، وتنتفـي عنـه موانـع دخولهـا . ومـن أيـن لنـا بالشـروط التـي لا يعلمهـا إلا عـلام الغيـوب ، وببعـض الموانـع التـي لا يمكـن أن يحكـم بانتفائهـا ، لأنهـا مـن سـرائر النفـس التـي لا يعلمهـا إلا عـلام الغيـوب ؟ ! .
والجـواب الصحيـح : أن يُقـال : مـا ذُكـر فـي النصـوص الصحيحـة مـن الوعـد والوعيـد فهـو حـق ، وذلـك العمـل موجـب لـه . ولكـن لابـد مـن وجـود الشـروط كلهـا وانتفـاء الموانـع كلهـا ، حتـى يُحكـم لـه بأحدهمـا .
فـإذا رأى شـخص امـرأة سـافرة ، هـل يحكـم علـى هـذه المـرأة بأنهـا لـن تدخـل الجنـة ولـن تجـد ريحهـا !!
لقولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " صنفـان مـن أهــل النـار لـم أرهمـا بعـدُ : قـوم ..... ، ونسـاء كاسـيات عاريـات ، مُميـلات مائـلات ، رؤوسُـهن كأسـنمة اليخـت المائلـة ، لا يدخلـن الجنـة ، ولا يجـدن ريحهـا ، وإن ريحهـا ليوجـد مـن مسـيرة كـذا وكـذا " .
رواه أحمد ، ومسلم . عن أبي هريرة . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 3799 / ص : 708 / صحيح .
الجــواب : يقـال أن هـذا الحكـم الـوارد فـي الحديـث حـق ، وهـذا العمـل الـذي هـو السـفور موجـب
للحكـم الـوارد بالحديـث ، ولكـن لا يجـوز الحكـم علـى امـرأة بعينهـا أنـه ينطبـق عليهـا هـذا الحكـم ،
لمـا سـبق مـن ضـرورة توفـر الشـروط وانتفـاء الموانـع ، ( ىفقـد تكـون جاهلـة بالحُكـم ، أو قـد تتـوب ، أو ... ) .
شرح القواعد الفقهية .
================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق