15 ـ وَمِـنْ قَوَاعِـدِ الشَّـرِيعَةِ التَّيْسِـيرُ فـي كُـلِّ أَمــرٍ نَابَــهُ تَعْسِــيرُ
( الشَّـرِيعَةِ ) : الشـرع والشـريعة فـي أصـل اللغـة : ( مـورد المـاء ) ، وأُطلـق علـى مـا شـرعه الله لعبـاده مـن الأحكـام ، تشـبيهًا بشـريعة المـاء ، لأن بها تحصـل حيـاة القلـوب ، ويتحقـق الـرِيّ المعنـوي ، كمـا أن المـاء تحصـلُ بـه حيـاة الأبـدان ، ويتحقـق الـرِّي الحسِّـيّ
وقـد جـاء الـرِي المعنـوي علـى لسـانه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
----------------------------------------------
( 1 ) جواز غيبة الفساق ... : هذا يكون في حق أولى الأمر ، وأهل العلم حقًا ، وليس من حق المتعالمين ، وإلا أصبحت فوضى وفتن لا آخر لها .
* فعـن ابـن عمـر أن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نهــى عـن الوصـال (1) ، قالـوا : فإنـك
تُواصِـل يـا رسـول الله ! قـال : " إنـي لسـتُ كهيئتكـم ، إنـي أُطعَـم وأُسـقى " .
سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 8 ) ـ أول كتاب : الصيام /
( 24 ) ـ باب : في الوصال / حديث رقم : 2360 / ص : 414 / صحيح .
وفـي قـول أبـي الفتـح البسـتيِّ :
يـا أيهـا العالِـم المرضـيُّ سـيرتُه أبشـر فأنـت بغيـر المـاء ريَّـانُ
القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
( التَّيْسِـيرُ ) : مأخـوذ مـن اليُسْـر ، وهـو السـهولة والليونـة .
( فـي كُـلِّ أَمــرٍ نَابَــهُ ) : أي فـي كـل أمـر اعتـرض لـه وعارضـه ونـزل بـه .
( تَعْسِــيرُ ) : مأخـوذ مـن العُسـر وهـو الشـدة وعـدم الليونـة .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
أشـار الناظـم ـ رحمه الله ـ إلـى قاعــدة كليـة هـي إحـدى قواعـد الإسـلام الكبـرى وهـي مـا يُعَبِّــر
عنـه الفقهـاء بقولهـم : " المشـقة تجلـب التيسـير " .
والمعنـى الإجمالـي للقاعـدة : هـو أن المشـقة (2) والعنـت إذا طـرآ علـى المكلـف كانـا سـببًا فـي المجـيء باليسـر له فـي العمـل المطـروء عليـه تلـك المشـقة ، فالشـرع مبنـاه علـى الرأفـة والرحمـة والتسـهيل .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 49 / بتصرف .
o وجهــة نظــر :
ـــــــــــ
قـال الشـيخ / سـعد بـن ناصـر الشـثري / فـي شـرح هـذه المنظومـة :
-----------------------------------------------------------
( 1 ) الوصال : أي مواصلة الصيام لليوم التالي دون فاصل بطعام أو شراب .
( 2 ) وبلفظ آخر : العسر والعنت ، فقد جاءت الأدلة بكلا اللفظين ( المشقة ، والعسر ) .
ـ [ تعريف المشقة : المشقة هي العُسر والعناء الخارجين عن حد العادة والاحتمال ] .
القواعد ... / ... الصقعبي
العلمـاء يعبـرون عـن هـذه القاعـدة بتعبيـر يخالـف تعبيـر المؤلـف هنـا ، المؤلـف هنـا يقـول :
( ..... فـي كـل أمـر نابـه تعسـير ) (1) ـ أي التعسـير سـبب للتيسـير ، والعلمـاء يعبـرون عنهـا بلفـظ آخـر ، فيقولـون : " المشـقة تجلـب التيسـير " ، ولعــل لفـظ المؤلـف ـ ( أي الناظـم ) (1) ـ أولـى مـن لفـظ الفقهـاء ، وذلـك لعـدد مـن الأمـور :
ـ الأمـر الأول : أن الشـريعة إنمـا جـاءت بنفـي العُسـر ، ولا يوجـد فيهـا نفـي المشـقة .
ـ الأمـر الثانـي : أن أحكـام الشـريعة لا تخلـو مـن نـوع مشـقة ، لاشـك أن الجهـاد فيـه مشـقة ، وأن الأمـر بالمعـروف فيـه مشـقة ، بـل إن الصـلاة فيهـا مشـقة ،
كمـا قـال سـبحانه :
{ وَاسْـتَعِينُواْ بِالصَّبْـرِ وَالصَّـلاَةِ وَإِنَّهَـا لَكَبِيـرَةٌ إِلاَّ عَلَـى الْخَاشِـعِينَ } .
سورة البقرة / آية : 45 .
لكـن هـذه المشـقة ليسـت هـي الغالبـة علـى الفعـل هـذا مـن جهـة .
ومـن جهـة ثانيـة : أن هـذه المشـقة التـي فـي الفعـل مقـدورة للمكلَّـف .
ومـن جهــة ثالثــة : أن المصلحـة فـي هـذا الفعــل أعظـم مـن المشـقة الواقعـة فيـه ؛ ولذلـك نجـد الطبيـب يصـف للمريـض الـدواء مُـرًّا ، لكـن المصلحـة المترتبـة علـى الـدواء أعظـم ، وهـي الخاصيـة التـي جعلهـا الله عــز وجــل فـي الـدواء يُشـفى بهـا المريـض ، هـذه المصلحـة أعظـم مـن المشـقة الحاصلـة فـي الـدواء . وكذلـك أحكـام الشـريعة .
والشـارع لا يقصـد المشـقة لـذات المشـقة ، وإنمـا مقصـوده المصلحـة الراجحـة الواقعـة فـي الفعـل .
وسـبب آخـر أن المشـقة ليسـت منضبطـة ؛ متـى يوصـف الفعـل بأنـه مشـقة ؟
هـذا أمـر تختلـف فيـه وجهـات النظـر ؛ ولذلـك لا نجـد الشـريعة تُعـوّل علـى المشـقة فـي بنـاء
الأحكـام ، وإنمـا تعـول علـى رفـع العُسـر ورفـع الحـرج . ا . هـ .
* وقـد تظاهـرت وتضافـرت أدلـة الشـرع علـى اعتبـار هـذه القاعـدة فمـن ذلـك :
* قولـه تعالـى : { لَيْـسَ عَلَـى الأَعْمَـى حَـرَجٌ وَلاَ عَلَـى الأَعْـرَجِ حَـرَجٌ وَلاَ عَلَـى الْمَرِيـضِ حَـرَجٌ ... } .
سورة النور / آية : 61 .
* وقولـه تعالـى :
-----------------------------------------------------------------------------
( 1 ) ـ ( ..... ) ـ تصرف .
{ ... وَمَـا جَعَـلَ عَلَيْكُـمْ فِـي الدِّيـنِ مِـنْ حَـرَجٍ ... } .
سورة الحج / آية : 78 .
وقولـه تعالـى : { ... يُرِيـدُ اللهُ بِكُـمُ الْيُسْـرَ وَلاَ يُرِيـدُ بِكُـمُ الْعُسْـرَ ... } . سورة البقرة / آية : 185 .
* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لـولا أن أشـق علـى أمتـي أو علـى النـاس لأمرتهـم بالسـواك مـع كـل صـلاة " .
صحيح البخاري . متون / ( 11 ) ـ كتاب : الجمعة / ( 8 ) ـ باب : السواك يومَ الجمعة / حديث رقم : 887 / ص : 102 .
وورد فـي فيـض القديـر شـرح الجامـع الصغيـر / للمنـاوي / ج : 5 / ص : 442 :
( لـولا أن أشـق علـى أمتـي لأمرتهـم ) :
أي : لـولا مخافـة أن أشـق عليهـم لأمرتهـم أمـر إيجـاب ، ففيـه نفـي الفرضيـة ، وفـي غيـره مـن الأحاديـث إثبـات الندبيـة . ا . هـ .
* عـن ابـن شـهاب ، قـال : أخبرنـي عُبيـدُ اللهِ بـنُ عبـدِ اللهِ بـنِ عُتبـةَ أن أبـا هريـرةَ أخبـره أن أعرابيًّـا بـال فـي المسـجد ، فثـار إليـه النـاسُ ليقعــوا بـه ، فقــال رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " دعـوه وأهَرِيقــوا علـى بولـه ذنوبًــا مـن مــاءٍ أو سَـجْلاً مـن مـاءٍ ، فإنمـا بُعثتُـم
ميسـرين ، ولـم تُبعثـوا معسـرين " .
صحيح البخاري . متون / ( 78 ) ـ كتاب : الأدب / ( 80 ) ـ باب : قول النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم " يسروا ولا تعسروا ... / حديث رقم : 6128 / ص : 721
* عـن كبشـةَ بنـتِ كعـبٍ ـ وكانـت تحـت بعـض ولـدِ أبـي قتـادةَ ـ أنهـا صبـت لأبـي قتـادةَ مـاءً يتوضـأُ بـه ، فجـاءت هِـرَّةٌ تشـربُ ، فأصغـى (1) لهـا الإنـاءَ ، فجعلـتُ أنظـرُ إليـه ، فقـال : يـا ابنـةَ أخـي ! أتعجبيـن ؟ . قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" إنهـا ليسـت بنجـسٍ ، هـي مـن الطَّوافيـنَ أو الطوَّافـاتِ " .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة وسنَنِها / ( 32 ) ـ باب :
الوضوء بسؤر الهرَّةِ والرخصة في ذلك / حديث رقم : 367 / ص : 82 / صحيح .
( 1 ) " فأصغـى " : أي أمـال لهـا الإنـاء لتتمكـن مـن الشـرب .
[ حاشية سنن ابن ماجه ... ] .
ـ النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي هـذا الحديـث ـ علـق الحكـم بمشـقة التحـرز منهـا حيـث قـال : " إنهـا مـن الطوافيـن " .
[ القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم ... / ص : 52 ] .
o نظـــرة تأمــل :
ــــــــــــ
مـن تتبــع الشـريعة الغـراء فـي أصولهـا وفروعهـا يجـد التيسـير (1) واضحًـا جليًّـا فـي العبــادات والمعامـلات والحقـوق والقضـاء والأحـوال الشـخصية وغيـر ذلـك مما يتصـل بعلاقـة الخلـق يخالقهـم ، أوعلاقـة الخلـق بعضهـم ببعـض بمـا يضمـن سـعادتهم فـي الدنيـا والآخـرة .
والناظـر فـي التخفيفـات الـواردة فـي الشـرع يـرى أنهـا لا تخـرج عـن نوعيـن اثنيـن :
1ـ نـوع شُـرع مـن أصلـه للتيسـير ، وهـو عمـوم التكاليـف الشـرعية فـي الأحـوال العاديـة ، وهنـا
لفتـة وهـي إن إيـراد هـذه القاعــدة لا يعنـي ذلـك أن الأصـل فـي الشـريعة العُسـر ، وإنمـا المـراد أن
الأصـل فيهـا اليسـر ، لكـن قـد يعـرض للإنسـان عـوارض تجعــل هـذا اليسـير فـي حقـه عسـيرًا ،
فجـاءت الشـريعة فخففتـه .
2 ـ نـوع شُـرع لِمَـا يَجِـدّ مـن الأعـذار والعـوارض وهـو المسـمى بالرُّخَـص .
وهـذا دليــل عيـان يَشـهد بـأن هـذا الديـن ديـن اليســر والسـهولة ، وشـاهد أيضًـا علـى سـماحته
وتجاوبـه مـع الفِطَـر المسـتقيمة ، ... وتقديـم مـا تـزول بـه مشـقتهم وعناؤهـم .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
س : لسـائل أن يقـول مـا ضابـط المشـقة التـي تجلـب التيسـير ؟
الكثيـر مـن النـاس يتعلـل بالمشـقة كلمـا كُلـف بأمـر قـال : هـذا فيـه مشـقة . هـذا لا أسـتطيعه ، هـذا لا أقـدر عليـه . وربمـا قـال :
إن الديـن يُسـر . وربمـا قـال : إن المشـقة تجلـب التيسـير .
فهـل كـل مشـقة تجلـب التيسـير ؟ . فنقـول جـواب ذلـك علـى قسـمين :
القســم الأول :
مشـقة [ لا تنفــك عـن العبـادة ] (2) ، وذلـك كمشـقة الصـوم لشـدة الحــر وطـول النهـار ، --------------------------------------------
( 1 ) يجد التيسير ، فالشرع في ذاته يسير .
( 2 ) ما بين المعكوفتين [ ] تصرف .
الجهـاد ، ومشـقة الحـج ، ومشـقة الاجتهـاد فـي طلـب العلـم ، فهـذه المشـقة لا انفكـاك عنهـا فـي الغالـب ، كمـا أنهـا مشـقة لا تنافـي التكليـف ولا تجلـب التخفيـف ، لأن الـذي يطلـب التخفيـف حينئـذ هـو مهمـل ومفـرِّط .
القســم الثانــي :
مشـقة [ تنفـك عـن العبـادات غالبًـا ] (1) ، والأصـل أنهـا لا تُـلازم العبـادة ، فـإن كانـت مشـقة عظيمـة ، كخـوف الهـلاك عنـد الاغتسـال ، فـإن هـذه المشـقة هـي التـي تجلـب التيسـير ، أمـا إن كانـت مشـقة خفيفـة ـ [ معتـادة ] ـ كأدنـى صـداع فـي الـرأس أو سـوء مـزاج خفيـف ، فهـذا لا أثـر لـه ولا التفـات إليـه ، لأن تحصيـل مصالـح العبـادات أولـى من دفـع هـذه المفسـدة التـي لا أثر لهـا . ا . هـ .
منظومة القواعد ... / خالد بن إبراهيم الصقعبي / بتصرف .
ـ وورد برسـالة : الـدرة المرضيـة شـرح منظومـة القواعـد الفقهيـة :
ليـس كـل مشـقة تكـون سـببًا للرخصـة ؛ كمشـقة الوضـوء والغسـل فـي البـرد ، ومشـقة الصـوم فـي شـدة الحـر وطـول النهـار ، ومشـقة السـفر التـي لا انفكـاك للحـج والجهـاد عنهـا ، ومشـقة ألـم الحـد ، ورجـم الزنـاة ، وقتـل الجنـاة ، وقتـل البغـاة ، فهـذا القسـم مـن المشـاق لا أثـر لـه فـي إسـقاط العبـادات ، وبالتالـي فـلا تشـمله هـذه القاعـدة " المشـقة تجلـب التيسـير " .
وإنمـا المـراد بالمشـقة التـي تـؤدي إلـى هـلاك المكلـف ، أو مرضـه ، أو انقطاعـه عـن العمـل .
ا . هـ .
* أسـباب التخفيـف :
حصـر بعـض الفقهـاء أسـباب التخفيـف فـي سـبعة أسـباب رئيسـية وهـي :
1ـ الســفر : والسـفر علـى الراجـح يُرجـع فيـه إلـى العُـرْف .
" السـفر " : والدليـل علـى أن السـفر مِنـاط بـه التخفيـف قـول الله ـ عـز وجـل ـ :
{ ... فَمَـن كَـانَ مِنكُـم مَّرِيضـاً أَوْ عَلَـى سَـفَرٍ فَعِـدَّةٌ مِّـنْ أَيَّـامٍ أُخَـرَ ... } .
سورة البقرة / آية : 184 .
2ـ المــرض : وهـو خـروج البـدن عـن حـد الاعتـدال والاعتيـاد .
----------------------------------------------------------------------------
( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ] تصرف .
" المـرض " : كمـا قــال ـ جــل وعــلا ـ { ... فَمَـن كَـانَ مِنكُـم مَّرِيضــاً أَوْ بِـهِ أَذًى مِّـن رَّأْسِـهِ فَفِدْيَـةٌ مِّـن صِيَـامٍ أَوْ صَدَقَـةٍ أَوْ نُسُـكٍ ... } . سورة البقرة / آية : 196 .
فْعلـق الحكـم بالمـرض " مريضًـا " ولـم يطلـق ، لـم يقـل : مـن كـان بـه مـرض ، فـدل ذلـك علـى أن المـراد مـرض خـاص ، والـذي يترتـب عليـه الفعـل أو يترتـب عليـه الحكـم هـو إذا كـان المـرض علـى حالـة لـو فعـل المأمـور معهـا لتأخـر البُـرْءُ أو زاد المـرض ، فإنـه يشـرع التخفيـف حينئـذ .
مثـال ذلـك : مـن كـان الصيـام يؤخـر شـفاءه ، أو كـان الصيـام يزيـد فـي مرضـه جـاز لـه الفطـر ، ومـن لـم يكـن كذلـك لـم يُجـز لـه الفِطـر ، ولـو كـان مريضًـا ؛ ولذلـك مـن بـه وجـع أسـنان أو صـداع بحيـث أن الصيـام لا يزيـد فـي مرضـه ولا يؤخـر شـفاء المـرض ، فإنـه لا يجـوز له الإفطـار .
فالمريـض قـد أُذن لـه بـأن يتخلـف عـن صـلاة الجماعـة ، وأن يصلـي قاعــدًا أو يصلـي علـى جنبـه حسـب مـا يسـتطيع .
ويرجـع لتفصيـل هـذا فـي كتـب الفقـه ، فهنـاك مـن قـال بمطلـق المـرض .
3ـ الإكـراه : وهـو فـي اصطـلاح الفقهـاء " حمـل الغيـر علـى أن يفعـل مـا لا يرضـاه ، ولا يختـار مباشـرته لـو تُـرك ونفسـه " .
4ـ النسـيان أو السـهو : والنسـيان هـو جهـل الإنسـان بمـا كـان يعلمـه ضـرورة ، أو هـو عـدم اسـتحضار الشـيء فـي وقـت الحاجـة إليـه .
فـإذا نسـي الإنسـان ، وكـان لا يمكـن تـدارك هـذا الشـيء ، فإنـه يسـقط وجــوب هـذا الشـيء بفواتـه .
وإن كـان ممـا يقبـل التـدارك مـن حقـوق الله تعالـى أو حقـوق عبـاده ؛ كالصـلاة والزكـاةونفقـات الزوجـات وجـب تداركـه .
5 ـ الجهــل : هـو نقيـض العلـم ، وهـو فـي الاصطـلاح اعتقـاد الشـيء جزمًـا علـى خـلاف مـا هـو فـي الواقـع . فالجهـل سـبب يرفـع الإثـم والحـرج والمسـئولية عـن المكلفيـن ، قـال تعالـى :
{ ... ثُـمَّ إِنَّ رَبَّـكَ لِلَّذِيـنَ هَاجَـرُواْ مِـن بَعْـدِ مَا فُتِنُـواْ ثُـمَّ جَاهَـدُواْ وَصَبَـرُواْ إِنَّ رَبَّـكَ مِـن بَعْدِهَـا لَغَفُـورٌ رَّحِيـمٌ } . سورة النحل / آية : 119 .
وهـذه ليسـت دعـوى إلـى الجهـل ؛ لأن الإنسـان لا يعـذر بتفريطـه بـل نقـول يجـب عليـه أن يتعلـم
مـا لا تقـوم العبـادة إلا بـه ، ومـا لا تصـح العبـادة إلا بـه ، لكنـه لـو بـذل واجتهـد فـي ذلـك لكنـه
جهـل بعـض المسـائل فإنـه يُرْفَـع عنـه الحـرج .
6ـ العُسـر وعمـوم البلـوى : و " العسـر " أي مشـقة تجنـب الشـيء . و " عمـوم البلـوى " أي شـيوع البـلاء بحيـث يصعـب علـى المـرء الابتعـاد عنـه .
7ـ النقـص الطبيعـي : والنقـص (1) ضـد الكمـال ، ولذلـك لـم يكلـف الصبـي والمجنـون لنقـص عقليهمـا ، وفـوض أمـر أموالهمـا للولـي ، كذلـك عـدم تكليـف النسـاء بكثيـر ممـا وجـب علـى الرجـال كحضـور الجُمَـع والجماعــات . وهـذا لا يسـمى كمـا يزعــم البعـض أنـه نقـص غيـر طبيعـي ، بالتالـي يحملـه ذلـك على انتقـاص المـرأة ، مثـلاً : كانتقـاص بعضهـم النسـاء برقـة الديـن ، كمـن يسـتدل بقـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " مـا رأيـت مـن ناقصـات عقـل ولا ديـنٍ أغلـب لـذي لُـبٍّ منكـن ، أمـا نقصـان العقـل فشـهادة امرأتيـن بشـهادة رجـل ، وأمـا نقصـان الديـن ، فـإن إحداكـن تُفطِـر رمضـان ، وتُقيـم أيامًـا لا تصلـي " .
رواه أبو داود عن ابن عمر . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... تحقيق الشيخ الألباني /
ج : 2 / حديث رقم : 5624 ـ 1812 / ص : 983 .
فهـذا لا يُعـد انتقـاص فـي حـق المـرأة حيـث بَيَّـن صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم أنهـا تتـرك الصـلاة فـي حـال حيضهـا ونفاسـها فهـذا ليـس مدعـاة للانتقـاص ، لأن هـذا نقـص طبيعـي ليـس شـاذًا حتـى يَحْمِـل ذلـك بعـض الرجـال علـى انتقـاص المـرأة ، بـل قـال أهـل العلـم بـأن المـرأة إذا تركـت الصــلاة فـي حــال حيضهـا ونفاسـها فإنهـا تكــون ممتثلـة امتثـالاً يـوازي تركهـا للصـلاة
فيغلـب جانـب امتثالهـا ويكـون ذلـك صفـة كمـال لا نقـص فـي حقهـا .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / بتصرف .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .
* أنــواع الرُّخَــص :
ذكـر الفقهـاء ـ رحمهم الله تعالى ـ أن الرخـص الشـرعية سـبعة أنـواع ، وهـي كمـا يلـي :
1 ـ رخصـة إسـقاط : كإسـقاط العبـادات عنـد وجــود أعذارهـا ، كإسـقاط الصـلاة عـن الحائـض
------------------------------------------------
( 1 ) يراد " بالنقص " : ما يوجد في الإنسان من حالة أو صفة من شأنها عدم قدرته على القيام ببعض التكاليف الشرعية ، التي يكلف به
غيره ، الذي لا توجد فيه تلك الحالة أو الصفة ، مما يجعل تكليف من كان هذا النقص فيه مرهقًا وشاقًا له ، مما استوجب التخفيف والتيسير على صاحب هذا النقص .
الدرة المرضية في ... / ص : 51 .
وعـن النفسـاء ، وعـدم وجـوب الحـج علـى المـرأة إذا لـم تجـد محرمًـا .
2 ـ رخصـة تنقيـص : أي إنقـاص العبـادة لوجـود العـذر ، وهـذا كالقصـر فـي الصـلاة .
3 ـ رخصـة إبـدال : أي إبـدال عبـادة بعبـادة ـ [ كإحـلال التيمـم محـل ] (1) الوضـوء والغسـل عنـد عـدم المــاء أو عـدم القــدرة علـى اسـتعماله ، [ وإحـلال القعـود أو الاضجـاع للمـرض محـل القيــام بالصـلاة ] (1) .
4 ـ رخصـة تقديـم : كجمـع التقديـم بعرفـات بيـن الظهـر والعصـر ، قالـوا : " يجـوز تقديـم الشـيء بعـد انعقـاد سـببه وقبـل وجـود شـرطه " .
مثــلاً : الإنسـان إذا صـار عنـده نصـاب زكــاة ، هـذا هـو سـبب الزكــاة بلـوغ النصـاب ، يجـوز أن يقـدم زكاتـه قبـل شـرطه وهـو حلـول الحـول . وكـذا الحِنـث فـي اليميـن : يجـوز لـه أن يحلـف ثـم يُكفِّــر عـن يمينـه ، ثـم يحنــث ، لكـن لا يجـوز لـه أن يكفِّــر ثـم يحلـف ثـم يحنـث لأن سـبب اليميـن (*) لـم ينعقـد (2) .
5ـ رخصـة تأخيـر : كالجمـع فـي مزدلفـة بيـن المغـرب والعشــاء ، وتأخيـر صيـام رمضـان للمسـافر والحائـض والنفسـاء ... ـ [ لعـدة مـن أيـام أُخـر ] ..
6ـ رخصـة اضطـرار : كشـرب الخمـر للغصـة إذا لم يجـد ـ [ مـاء ] ـ وخشـي علـى نفسـه الهـلاك ،
وأكْـل الميتـة والخنزيـر عنـد المسـغبة وخشـية المـوت جوعًـا .
7 ـ رخصـة تغييـر : كتغييـر نظـم الصـلاة للخـوف .
منظومة القواعد الفقهية ... / خالد بن إبراهيم الصقعبي / بتصرف .
==================
16 ـ وَلَيْـسَ وَاجِـبٌ بِـلاَ اقْتِــدَارِ وَلاَ مُحَــرَّمٌ مَــعَ اضطِّــرارٍ
( الوَاجِـبٌ ) : هـو مـا طَلَـب الشـارعُ فعلـه علـى وجـه اللـزوم ، كالصـلاة والصيـام ... .
-----------------------------------------------------------------------------
( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ] تصرف .
( * ) سبب اليمين : الذي هو الْحَلِف .
( 2 ) مثاله : شخص حلف ألا يدخل بيت أخيه . فيجوز له أن يكفر عن هذا القسم ( بإطعام عشر مساكين ) ، ثم يحنث أي يرجع عن قسمه ويدخل بيت أخيه .
لكن لا يجوز له أن يكفر ( بإطعام عشر مساكين ) ، ثم يحلف ألا يدخل بيت أخيه ، ثم يحنث أي يرجع عن قسمه ويدخل بيت أخيه .
( المُحَــرَّم ) : هـو مـا طلـب الشـارع تركَـهُ علـى وجـه اللـزوم ، كالربـا والكـذب ... (1) .
هـذه القاعـدة لهـا صورتـان :
1 ـ نفـي الواجـب مـع عـدم القـدرة عليـه [ أي : سـقوط الواجـب لعـدم القـدرة عليـه ] (2) .
فـإذا عجـز المكلَّـفُ عـن القيـام بالواجـب فـلا يكــون واجبًـا فـي حقـه ، كالأعمـى والأعـرج لا يجـب عليهمـا الجهـاد لعجزهمـا عنـه .
والأصـل فـي هـذه الصـورة قولـه تعالـى :
{ فَاتَّقُـوا اللهَ مَـا اسْـتَطَعْتُمْ وَاسْـمَعُوا ... } . (1) سورة التغابن / آية : 16 .
2 ـ إعمـال المحـرم مـع الاضطـرار إليـه [ أي : إباحـة المحـرم عنـد الضـرورة ] (2) .
فالمكلّـف إذا اضطـرَّ إلـى فعـلِ المحـرم ، فإنـه لا يكـون محرمًـا فـي حقـه ، ولا يكـون آثمًـا عنـد ذلـك ، كالمنقطـع فـي الصحـراء يضطـرُّ إلـى أكـلِ الميتـةِ فـلا حـرج عليـه فـي ذلـك وهـذا معنـى قـول الفقهـاء :
( الضـرورات تبيـح المحظـوراتِ ) .
والأصـل فـي هـذه الصـورة قولـه تعالـى :
{ ... وَقَـدْ فَصَّـلَ لَكُـم مَّـا حَـرَّمَ عَلَيْكُـمْ إِلاَّ مَـا اضْطُرِرْتُـمْ إِلَيْـهِ ... } .
سورة الأنعام / آية : 119 .
فأخبـر ـ سـبحانه ـ أن المضطـر إليـه مسـتثنى مـن المحرمـات (1) .
أي مـا اضطررتـم إليـه ليـس حرامًـا عليكـم .
o فـائـــدة :
ـــــــــ
أدلـة هـذه القاعــدة هـي نفـس أدلـة القاعـدة السـابقة ، لأن سـقوط الواجـب مع عـدم القـدرة عليـه ، وفعـل المحـرم عنـد الضـرورة إليـه هـذا مـن يسـر الشـريعة (2) .
-----------------------------------------------------
( 1 ) منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
( 2 ) منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .
ـ شـروط تطبيـق هـذه القاعـدة :
1ـ أن تندفـع الضـرورة بفعـل المحظـور 0 فـإن لـم تندفـع ، لـم يجـز فعـل المحظـور .
مثلـوا لـه بالظمـآن الـذي لا يجـد إلا الخمـر ، فهـذا لا يجـوز لـه تنـاول الخمـر ، لأن الخمـر لا يبعـد الظمـأ ، وإنما يزيـد الإنسـان ظمـأ إلـى ظمئـه ، فالمحظـور هنـا زاد االضـرورة ولـم يدفعهـا .
2 ـ ألا يوجـد طريـق آخـر تندفـع بـه الضـرورة . فـإن وُجـد ، لم يجـز ـ حينئـذ ـ فعـل المحظـور .
مثـال ذلـك : طبيبـة مسـلمة ، وطبيـب رجـل ، وعندنـا امـرأة مريضـة ، يمكـن دفـع الضـرورة بكشـف المـرأة الطبيبـة .
3ـ أن يكـون المحظــور أقــل مـن الضـرورة ، فـإن كانـت الضــرورة أعظـم ، لـم يجــز ـ فعـل المحظـور ـ .
مثـال ذلـك : إذا اضطُّـرَ إلـى قتـل غيـره لبقـاء نفسـه . كمـا فـي مسـألة الإكـراه ، فهنـا الضـرورة أقـل مـن المحظـور ، [ فـلا يجـوز فعـل المحظـور ] .
المحظـور هـو : قتـل الغيـر . الضـرورة هـي : أنـه سـيقتل الإنسـان ، بعـد تهديـده بالقتـل إذا لـم يقتـل هـذا الغيـر .
ـ ويلاحـظ أنـه إذا زالـت الضـرورة ، زال حكـم اسـتباحة المحظـور .
القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .
=================
17 ـ وَكُـلُّ مَحْظُـورٍ مَـعَ الضَّـرُورَةْ بِقَـدْرِ مـا تَحْتَاجُـهُ الضَّــرُورَةْ
فهـذه القاعـدة فــرع عـن القاعــدة السـابقة وقَيـد لهـا ، وهـي كقاعــدة فقهيــة يذكرهـا الفقهـاء بقولهـم :
" الضـرورات تقـدَّر بقدرِهـا " .
وبيانهـا : أن مـا تدعـو إليـه الضـرورة مـن المحظـورات إنمـا يرخـص منـه القـدر الـذي تندفـع بـه الضـرورة فَحَسْـب . فـإذا اضطـر الإنسـان لمحظـور فليـس لـه أن يتوسَّـع فيـه ، بـل يقتصـر منـه علـى قـدر مـا تندفـع بـه الضـرورة فقـط .
وأصلهـا قولـه تعالـى :
{ ... فَمَـنِ اضْطُـرَّ غَيْـرَ بَـاغٍ وَلاَ عَـادٍ فَـلا إِثْـمَ عَلَيْـهِ إِنَّ اللهَ غَفُـورٌ رَّحِيـمٌ } .
سورة البقرة / آية : 173 .
ـ قـال الإمـام ابـن القيـم ـ رحمه الله ـ فـي تفسـيره لهـذه الآيـة :
" فالباغـي " : الـذي يبتغـي الميتـة مـع قدرتـه علـى التوصّـل إلـى المذكَّـى .
[ فالبغـي : أن يأخـذ الإنسـان بحكـم الضـرورة ، وهـو غيـر مضطـر ] .
و " العـادي " : الـذي يتعـدى قـدر الحاجـة بأكملهـا " . ( 1 / 71 ) .
[ فالعـدوان : هـو تجـاوز مقـدار الضـرورة ] .
القواعد الفقهية ... / لابن القيم / ص : 315 / بتصرف .
[ شرح القواعد ... / د . مصطفى كرامة مخدوم ] .
* مفهــوم الضــرورة :
---------------
لغــة :
الضــرورة : مأخـوذة مـن الاضطــرار ، وهـو الحاجــة الشـديدة والمشـقة والشـدة التـي لا مدفـع لهـا .
اصطلاحًــا :
الضــرورة : هـي أن تطـرأ علـى الإنسـان حالـة مـن الخطــر ، أو المشـقة الشـديدة بحيـث يخـاف
حـدوث ضـرر أو أذى بالنفـس أو بالعضـو أو بالعِـرْض أو بالعقـل أو بالمـال ، ويتعيـن أو يبـاح عندئـذٍ ارتكـاب الحـرام أو تـرك الواجـب أو تأخيـره عـن وقتــه دفعًـا للضـرر عنـه فـي غالـب ظنـه ضمـن قيـود الشـرع (1) .
* حقيقـــة الضـــرورة :
-----------------
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي . بتصرف .
قـال الشـيخ العثيميـن فـي شـرحه للقواعـد الفقهيـة / ص : 24 :
* المحـرم يبـاح عنـد الضـرورة ، لكـن لابـد لذلـك مـن شـريطين :
الأول : صـدق الضـرورة إليـه ، بحيـث لـو لـم يفعلـه تضـرر .
الثانــي : أن تندفـع ضرورتـه بفعلـه ، فـإذا كـان يمكـن أن يدفـع ضرورتـه مـن المبـاح ، فإنـه لا يحـل هـذا المحـرم . ا . هـ .
* مـا هـو حـد الضـرورة ؟
-----------------
نقـول بـأن الاضطـرار وإن كـان سـببًا مـن أسـباب إباحـة الفعـل إلا أنـه لا يسـقط حقـوق الآدمييـن وإن كـان يسـقط حـق الله عـز وجـل برفـع الإثـم والمؤاخـذة عـن المضطـر أو المسـتكرَه ، فـإن الضـرورة لا تبطـل حـق الآدمييـن (1) .
مثالـه : شـخص وجـد شـاة فذبحهـا مضطـرًا ـ للجـوع الشـديد ـ وأكـل لحمهـا ، ثم جـاء صاحـب الشـاة وطالبـه بالثمـن ، فلا يقـول أنا مضطـر والضـرورات تبيـح المحظـورات ! نعـم هو رُفـع عنـه الإثـم ـ حـق الله ـ ، لكـن لا يعني ذلك أن حـق الآدمييـن يسـقط ، وإنما يجـب عليه أن يدفـع القيمـة ـ لصاحـب الشـاة ـ .
ولهـذا قيـد العلمـاء هـذه القاعـدة ، بقاعـدة أخـرى ، وهـي :
( الاضطـرار لا يبطـل حـق الغيـر ) (2) .
ولكـن هـذا ليـس علـى الإطـلاق ، فهنـاك ضابـط لهـذه المسـألة ، وهـو : إذا نشـأت الضـرورة مـن حـق الغيـر ، فإنـه حينئـذ لا حـق لذلـك الغيـر .
* مثالـــه :
إنسـان هـاج عليـه جَمَـل ، فاضطـر إلـى قتلـه ؛ دفاعًـا عـن نفسـه ، فهـل يحـق لصاحـب الجمـل أن يأتـي إليـه ويطالبـه بقيمـة الجمـل ؟ .
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) سيأتي تفصيل ذلك في قاعدة [ والخطأ والإكراه والنسيان ... ] .
( 2 ) منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
الجــواب : لا . لا يحـق لـه ؛ لمـاذا ؟ . لأن الاضطـرار هنـا ناشـئ مـن ملـك الغيـر ، ناشـئ مـن ذات المملـوك ـ أي الجَمَـل ـ فحينئـذ لا يجـب الضمـان .
أمـا إذا كـان الاضطـرار ليـس ناشـئًا عـن حـق الغيـر ، فعلـى المضطـر الضمـان . مثـال ذلك : مضطـر جائـع ، لـم يجـد إلا جمـلاً مملوكًـا لغيـره ، فذبحـه وأكلـه ، فحينئـذ الاضطـرار ليـس ناشـئًا عـن ملـك الغيـر ـ أي الجَمـل ـ ومـن ثَـم فإنـه ـ أي المضطـر ـ يضمـن ـ أي يدفـع عِـوض ـ ذلـك المِلْـك ـ أي ـ الجمـل ـ .
* مثــال آخــر :
إنسـان فـي السـفينة ، ألقـى بعـض المتـاع فـي البحـر ؛ لأنـه مضطـر إلـى إلقائـه 0 فهنـا هـل يجـب الضمـان أو لا يجـب ؟ .
نقــول : ننظـر لمـاذا ألقـى المتـاع ، فـإن كـان قـد ألقـاه لضـرر ناشـئ مـن المتـاع ، كـأن يكـون الرجـل فـي جانـب السـفينة ، فسـقط عليـه بعـض المتـاع ، فخشـي علـى نفسـه الهـلاك ، فألقـى بالمتـاع فـي البحـر .
فهنـا الاضطـرار ناشـئ مـن مِلْـك الغيـر ، فـلا يجـب عليـه الضمـان .
لكـن لـو كـان الاضطـرار ليـس ناشـئًا مـن ذلـك المتـاع ، بـأن تكـون السـفينة حمولتهـا كثيـرة ، ويخشـى عليهـا مـن الغـرق ، فقـال القائمـون علـى السـفينة : لابـد مـن إلقـاء بعـض المتـاع ، فأُخِـذَ بعـض المتـاع فأُلقـي ، فحينئـذ هـل يضمـن ؟ . نقـول : نعـم يضمـن ، لأن هـذا الاضطـرار ليـس ناشـئًا مـن ذات المتــاع ، وإنمـا ناشـئ مـن جميــع مـن فـي السـفينة ، فحينئـذ يُقــال لجميــع مـن فـي السـفينة : اضمنــوا هـذا المتـاع ، ويضـرب عليهـم قيمتــه أو مثلـه ، بحسـب
أعدادهـم (1) .
ويتفـرع علـى هـذه القاعـدة :
ـ الطبيـب لا ينظـر مـن العـورة إلا بقـدر مـا تدعـو إليـه الضـرورة .
ـ إذا بلـغ الجـوع بإنسـان مبلغـًا لا يطيقـه ـ وخـاف معـه الهـلاك جوعـًا ـ جـاز لـه أن يأكـل مـا حـرم الله عليـه أكلـه ، لكـن بقــدر مـا يدفــع بـه شـدة الجـوع ويحفـظ عليـه حياتـه ., فـإذا زالـت الضـرورة عـاد الحكـم إلـى أصلـه وهـو التحريـم .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 78 / بتصرف .
------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق