بسم الله الرحمن الرحيم
تقديــــــم
=========
إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله من شـرور أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ، ومـن يضلـل فـلا هــادي لـه ، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ، وأشـهد أن محمـدًا عبـده ورسـوله .
{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ اتَّقُـواْ اللهَ حَـقَّ تُقَاتِـهِ وَلاَ تَمُوتُـنَّ إِلاَّ وَأَنتُـم مُّسْـلِمُونَ } .
سورة آل عمران / آية : 102 .
{ يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـواْ رَبَّكُـمُ الّـَذِي خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ وَخَلَـقَ مِنْهَـا زَوْجَهَـا وَبَـثَّ مِنْهُمَـا رِجَـالاً كَثِيراً وَنِسَـاء وَاتَّقُـواْ اللهَ الَّـذِي تَسَـاءلُونَ بِـهِ وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـاً } .
سورة النساء / آية : 1 .
{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنـُوا اتَّقُـوا اللهَ وَقُولُـوا قَـوْلاً سَـدِيداً * يُصْلِـحْ لَكُـمْ أَعْمَالَكُـمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـن يُطِـعْ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ فَـازَ فَـوْزاً عَظِيمـاً } .
سورة الأحزاب / آية : ( 70 ، 71 ) .
أمــا بعـــد :
فـإن أصـدقَ الحديـثِ كتـابُ اللهِ ، وخيـرَ الهـدي هــديُ محمـدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وشـرَّ الأمـورِ محدثاتُهَـا ، وكـلَّ محدثـةٍ بدعـةٌ ، وكـلَّ بدعـةٍ ضلالـةٌ ، وكـلَّ ضلالـةٍ فـي النـار .
ثــم أمــا بعـــد :
إن من أشـرف العلـوم وأعظمهـا خيـرًا ونفعـًا : " علـم أحكـام أفعـال العبيـد " ، المشـتهر بعـد باسـم :
" الفقـه الإسـلامي " . المشـمول فـي عمـوم قـول النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " مـن يـردِ اللهُ بـه خيـرًا يفقهـه فـي الديـن ، وإنمـا أنـا قاسـم والله يعطـي ..... " .
( متفق عليه من حديث معاوية ) .
صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 13 ) ـ باب : من يرد الله به ... / حديث رقم : 71 / ص : 20 .
والفقـــه لغـــة :
-------------
الفهـم . ومنـه قولـه تعالـى : { وَاحْلُـلْ عُقْـدَةً مِّـن لِّسَـانِي * يَفْقَهُـوا قَوْلِـي }.
سورة طه / آية : 27 ، 28 .
الفقـــه اصطلاحــًا :
--------------
" معرفـة الأحكـام الشـرعية العلميـة بأدلتهـا التفصيليـة " .
والمـراد بقولنـا : " معرفـــة " : العلــم ، والظـن .
لأن إدراك الأحكـام الفقهيـة ، قـد يكـون يقينـًا ، وقـد يكـون ظنـًا كمـا فـي كثيـر مـن مسـائل الفقـه .
ولهـذا فـإن مسـائل الاجتهـاد التـي يختلـف فيهـا أهـل العلـم غالبهـا ظنـــي ، وليسـت بعلميـة .
ولـو كانـت علميـة لمَـا اختلفـوا فيهـا .
المقصـــود بالظــن :
--------------
هـو الظـن المحمـود المبنـي علـى أسـس واجتهـاد .
فالظـن ظنـان :
1 ـ ظـن جائـز محمـود :
وهـو المبنـي علـى اجتهـاد ، فهـذا هـو مـا يسـتطيعه الإنسـان .
قـال تعالـى : { لاَ يُكَلِّـفُ اللهُ نَفْسـاً إِلاَّ وُسْـعَهَا ... } . سورة البقرة / آية : 286 .
* وعـن عمـرو بـن العـاص ـ رضي الله عنه ـ أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول :
" إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ فلـه أجـر " .
صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ
باب : أجر الحاكم ... / حديث رقم : 7352 / ص : 853 .
ومعلـوم أنـه لـو كـان حُكْـم الحاكـم يقينـًا لمـا أخطـأ ، ولكـن الحكـم المقصـود هـو الحكـم الظنـي المبنـي علـى أسـاس واجتهـاد .
2 ـ ظـن غيـر جائـز ، مذمـوم :
وهـو لا يُبنـى علـى أسـاس .
مثــال : إذا جـاء رجـل لعامـي يسـأله علـى شـيء هـل هـو جائـز أم حـرام ؟
فقـال العامـي : أظنـه حرامـًا .
هـذا غيـر جائـز ، لأنـه لـم يبـن جوابـه علـى أسـاس علمـي واجتهـاد ، وهـو غيـر أهـل للاجتهـاد أصـلاً .
لكـن لـو كـان هنـاك رجــل ـ عالـم ـ مجتهـد تأمـل الأدلـة فغلـب علـى ظنـه أن هـذا القــول هـو
الراجـح ، فهـذا ظـن جائـز ، لأن هـذا منتهـى اسـتطاعته .
شرح الأصول من علم الأصول / للشيخ العثيمين / ص : 23 / بتصرف .
وأحكـام هـذا العلـم تسـاير المسـلم وتلازمـه فـي عمـوم مسـالك حياتـه فيمـا بينـه وبيـن ربـه ، وفيمـا بينـه وبيـن عبـاده .
ولجـلال هـذا العلـم ونفعـه ؛ تَسَـابق العلمـاء فـي تدويـن " الفقـه الإسـلامي " ، فقعَّـدوا القواعـد ، وأصَّلُـوا الأصـول ، واسـتنبطوا الألـوف المؤلفـة مـن الفـروع فـي آلاف المجلـدات .
وهـؤلاء الأجلـة مـن العلمـاء علـى تنـوع مؤلفاتهـم الفقهيـة وتزاحـم هممهـم العَلِيَّـة ، تختلـف مدوناتهـم باختـلاف مشـاربهم واتجـاه فقههـم .
فمنهـم مـن ألَّـفَ فـي دائـرة مذهبـه ومـا زاد .
ومنهـم مـن ألَّـف فـي دائـرة المذاهـب الفقهيـة المنتشـرة فـي الأمصـار .
ومنهـم مـن كـان كذلـك مبينـًا أدلـة الخـلاف ووجـوه الاسـتدلال .
ومنهـم رعيـل ألَّـف علـى سـبيل الاجتهـاد والتحقيـق ، والنظـر العميـق ، ... .
ومـن خـلال مؤلفـات هـؤلاء العلمـاء الأجـلاء ، عُقِـدَ العـزم علـى تصنيـف " بحـث " لتيسـير فهـم الأحكـام الفقهيـة مـع محاولـة الاسـتدلال لكـل مسـألة بكتـاب الله أو سـنة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، حسـب قواعـد الاسـتدلال واجتهـاد علمـاء هـذا الفـن مـن العلـوم الشـرعية .
وإن كانـت المسـألة خلافيـة ـ وهـو الغالـب علـى مسـائل الفقـه ـ حاولنـا إيـراد الخـلاف ورأي العلمـاء فيـه .
وقـد يـؤدي بنـا هـذا الخـلاف إلـى ذكـر رأي محـدد مُرَجِّـح لهـذا الخـلاف .
وقـد يـؤدي بنـا إلـى الامتنـاع عـن الترجيــح والتوقـف وتــرك هـذا للـدارس عـن طريـق أهـل الذكـر .
ولكـن قبـل ذلـك لابـد مـن معرفـة السـبيل لفهـم ودراسـة المسـائل الفقهيـة وهـذا لا يتأتـى إلا بدراسـة مصطلحـات معينـة ومعرفـة مدلولاتهـا . ومعرفـة بعـض الضوابـط للدراسـات الفقهيـة .
نسـأل الله التوفيـق فـي الدلالـة إلـى هـذا السـبيل المـؤدي إلـى النبـع الصَّافـي المتمثـل فـي الاتبـاع واقتفـاء أثـر الرسـول راجيــن لقـاءه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم عنـد حوضـه الشـريف آمنيـن فائزيـن .
والله المسـتعان وعليـه التكـلان .
وعملنـا فـي البحـث الموسـوم بـ :
" الســـبيل إلـى دراســة فقــه إســلامي صحيــح " ينقسـم إلـى قسـمين :
القســم الأول :
دراســـة بعــض المصطلحـــات والأســس والمفاهيــم الهامــة_________________________
المبحـــث الأول
العمـــل بالكتـــاب والســـنة
===================
المطلـــب الأول : وجــوب العمــل بالكتــاب والســنة
===================
اعلـم أن نصـوص الكتـاب والسـنة التـي لا تُحْصَـى ، قـد تضافـرت بإلـزام جميـع المكلفيـن بالعمـل بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .
قـال تعالـى : { اتَّبِعُـواْ مَـا أُنـزِلَ إِلَيْكُـم مِّـن رَّبِّكُـمْ وَلاَ تَتَّبِعُـواْ مِـن دُونِـهِ أَوْلِيَاء قَلِيـلاً مَّا تَذَكَّـرُونَ } .
سورة الأعراف / آية : 3 .
والمـراد بمـا أُنـزل إليكـم : هـو القـرآن والسـنة المُبَيِّنَـة لـه ، لا آراء الرجـال .
وقـال تعالـى : { فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـاً مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيماً } .
سورة النساء / آية : 65 .
وقـال تعالـى : { قُـلْ إِن كُنتُـمْ تُحِبُّـونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِـي يُحْبِبْكُـمُ اللهُ ... } .
سورة آل عمران : آية : 31 .
وقـال تعالـى : { فَـإِن لَّمْ يَسْـتَجِيبُوا لَـكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَـا يَتَّبِعُـونَ أَهْوَاءهُـمْ وَمَـنْ أَضَـلُّ مِمَّـنِ اتَّبَـعَ هَـوَاهُ بِغَيْـرِ هُـدًى مِّـنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْـدِي الْقَـوْمَ الظَّالِمِيـنَ } .
سورة القصص / آية : 50 .
والاسـتجابة لـه صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم بعـد وفاتـه هـي الرجـوع إلـى سـنته صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم ، وهـي مُبَيِّنَـة لكتـاب الله.
قـال تعالـى : { مَّـنْ يُطِـعِ الرَّسُـولَ فَقَـدْ أَطَـاعَ اللهَ ... } .
سورة النساء / آية : 80 .
وقـال تعالـى : { إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِـعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْفَائِـزُونَ } . سورة النور / آية : 51 ، 52 .
ولاشـك عنـد كـل أحـد مـن أهـل العلـم أن طاعـة الله ورسـوله المذكـورة فـي هـذه الآيـات ونحوهـا مـن نصـوص الوحـي ، محصـورة فـي العمـل بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .
فنصـوص القـرآن والسـنة كلهـا دالـة علـى لـزوم تدبـر الوحـي ، وتفهمـه وتعلمـه والعمـل بـه .
صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 34 .
* * * * *
المطلـــب الثانــي : التمســـك بالكتــاب والســنة
=================
إن قـوة الأمـة فـي ولائهـا لربهـا .
وترابطهـا فـي ارتباطهـا بدينـه .
وعزتهـا فـي إعزازهـا لكلماتـه .
وشـرفها فـي دعوتهـا إليـه .
ورخاءهـا فـي طاعتـه .
وعافيتهـا وأمنهـا فـي اعتصامهـا بـه .
والخيـر جميعًـا فـي إيمانهـا وعملهـا بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .
وقـد آمنـت أمـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي عهدهـا الأول بذلـك كلـه ، فعضـت بنواجذهـا علـى كتـاب ربهـا وسـنة نبيهـا ، وقبضـت علـى دينهـا قبضـة المؤمـن الموقـن بجمـال وكمـال دينـه ، وصلاحـه لقيـادة الحيـاة وهدايـة النـاس ، فعـاش الكتـاب والسـنة حينـذاك فـي القلـوب إيمانًـا وعقيـدة ، وفـي العقـول فكـرًا وثقافـة ، وفـي النفـوس واعظًــا ومربيًـا ، وبيـن النـاس حاكمًـا وقاضيًـا ، وبالجملـة فقـد كانـا (1) فـي حيـاة المسـلمين روحًـا وغايـة وفـي جماعتهـم بِنْيَــةً وقوامًـا وشـريعة ونظامًـا .
ولمـا كـان ذلـك هـو حـال أمـة الإسـلام أعزهـا الله بعـزه وحماهـا بحمايتـه وأيدهـا بجنـود مـن عنـده وحقـق فيهـا وعـده ، كمـا قـال تعالـى :
{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـوا إِن تَنصُـرُوا اللهَ يَنصُرْكُـمْ وَيُثَبِّـتْ أَقْدَامَكُـمْ } . سورة محمد / آية : 7 .
فلمـا وهنـت عضدتهـا علـى دينهـا ، وتداعـت قبضتهـا علـى الكتـاب والسـنة ، وراحـت تهتـدي بغيـر هـدي محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وتحتكـم إلـى غيـر حكمـه ، وتركـت الدعـوة إلـى الله ، قَـلَّ عزهـا وغـرب مجدهـا .
مقدمة جامع الأحاديث القدسية / عصام ... الصبابطي / ج : 1 / ص : 9 .
* * * * *
---------------------------
( 1 ) كانا : أي الكتاب والسنة كانا .
المطلـــب الثالــث : الموقــف مــن الأئمــة المتبوعيــن
====================
" اعلـم أن موقفنـا مـن الأئمـة ـ رحمهم الله ـ الأربعـة وغيرهـم ، هـو موقـف سـائر المسـلمين المنصفيـن منهـم ، وهـو موالاتهـم ومحبتهـم وتعظيمهـم وإجلالهـم والثنـاء عليهـم بمـا هـم عليـه مـن العلـم والتقـوى واتباعهـم فـي العمـل بالكتـاب والسـنة الصحيحـة ، وتقديمهـا علـى رأيهـم ، وتعلُّـم أقوالهـم للاسـتعانة بهـا علـى الحـق وتـرك مـا خالـف الكتـاب والسـنة الصحيحـة منهـا .
وأمـا المسـائل التـي لا نـص فيهـا ، فالصـواب النظـر فـي اجتهادهـم فيهـا ، وقد يكـون اتبـاع اجتهادهـم أصـوب مـن اجتهادنـا لأنفسـنا ، لأنهـم أكثـر علمًـا وتقـوى منـا ، ولكـن علينـا أن ننظـر ونحتـاط لأنفسـنا فـي أقـرب الأقـوال إلـى رضـا الله وأحوطهـا وأبعدهـا مـن الاشـتباه " . ا . هـ .
( أضواء البيان / 7 / 555 ) . حاشية صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 35 .
· ولتمـــام الفائــدة نــورد :
أ : أقــوال الأئمــةِ فـي اتِّبــاع الســنة وتــرك أقوالِهــم المُخالِفَــة لهــا :
=================
أولاً : أبـو حنيفـة ـ رحمه الله ـ :
********************
فأولهـم الإمـام أبـو حنيفـة النعمـان بـن ثابـت ـ رحمه الله ـ ، وقـد روى عنـه أصحابـه أقـوالاً شـتى وعبـارات متنوعـة ؛ كلهـا تـؤدي إلـى شـيءٍ واحـد وهـو : وجـوب الأخـذ بالحديـث ، وتـرك تقليـد آراء الأئمـة المخالفـة لـه ، منهـا قولـه ـ رحمه الله ـ : " إذا صـح الحديـث فهـو مذهبـي " .
ثانيًــا : مالــك بـن أنـسٍ ـ رحمه الله ـ :
***************************
قـال : " إنمـا أنـا بشـر أخطـئ وأصيـب ، فانْظـروا في رأيـي ؛ فكـل مـا وافـق الكتـاب والسـنة فخـذوه ، وكـل مـا لـم يوافـق الكتـاب والسـنة فاتركـوه " .
ثالثًــا : الشــافعي ـ رحمه الله ـ :
**********************
قـال : " مـا مـن أحـد إلا وتذهـب عليـه سـنة لرسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وتَعْـزُب عنـه .
فمهمـا قلـتُ مـن قــول ، أو أصَّـلْتُ مـن أصــل فيـه عـن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
خـلاف مـا قلـتُ ؛ فالقـول مـا قـال رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـو قولـي " .
ا . هـ .
رابعًــا : أحمـد بـن حنبـل ـ رحمه الله ـ :
***************************
قـال : " لا تقلدنـي ، ولا تقلـد مالكًــا ولا الشـافعي ، ولا الأوزاعـي ولا الثـوري ، وخـذ مـن حيـث أخـذوا " . ا . هـ .
مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 49 ، ... .
ولمـن أراد التوسـع فـي أقـوال الأئمـة فليرجـع إلـى كتـاب " صفـة صـلاة النبـي " للشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي ـ رحمه الله ـ .
=============
ب : تَــرْكُ الأتْبَــاعِ بعــضَ أقْــوالِ أئِمَّتِهِــمُ اتِّبَاعًــا للسُّــنَّةِ :
==================
كـان أتبـاع الأئمـة لا يأخـذون بأقـوال أئمتهـم كلهـا ، بـل قـد تركـوا كثيـرًا منهـا لمَّـا ظهـر لهـم مخالفتهـا للسـنة ، حتـى أن الإماميـن : " محمـد بـن الحسـن " و " أبـا يوسـف " رحمهمـا الله قـد خالفـا شـيخهما أبـا حنيفـة فـي نحـو ثلـث المذهـب ، وكُتـب الفـروع (1) كفيلـة ببيـان ذلـك .
ونحـو هـذا يُقـال فـي " الإمـام المزنـي " وغيـره مـن أتبـاع الشـافعي وغيـره .
ولـو ذهبنـا نضـرب علـى ذلـك الأمثلـة لطـال بنـا الكـلام .
وخلاصـــة القـــول :
ـــــــــــــ
..... ، فإنمـا أخذنـا هـذا المنهـج (2) منهـم ـ أي مـن الأئمـة الأربعـة وغيرهـم ـ كمـا سـبق بيانـه .
فَمَـنْ أعـرض عـن الاهتـداء بهـم فـي هـذا السـبيل ؛ فهـو علـى خطـر عظيـم ؛ لأنـه يسـتلزم الإعـراض عـن السـنة ، وقـد أُمِرْنَـا عنـد الاختـلاف بالرجــوع إليهـا والاعتمـاد عليهـا ؛ كمـا قـال تعالـى : { فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُـمَّ لاَ يَجِـدُواْ فِـي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـاً مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيماً } .
سورة النساء / آية : 65 .
-------------------------------
( 1 ) كتب الفروع : أي كتب الفقه .
( 2 ) هذا المنهج : المقصود به اتباع الكتاب والسنة الصحيحة .
أسـأل الله تعالـى أن يجعلنـا ممـن قـال فيهـم :
{ إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا
وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِــعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِــكَ
هُـمُ الْفَائِـزُونَ } . سورة النور / آية : 51 ، 52 .
مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 55 .
* * * * *
المبحـــث الثانـــي
الخـــــلاف
=======
المطلـــب الأول : فقـــه الخـــلاف
================
قبـل البـدء فـي دراسـة " الفقـه " ، لابـد مـن تعلـم فقـه الخـلاف ، لأن الفقـه بـه خلافـات كثيـرة .
فكيـف نواجـه هـذا الخـلاف دون أن تحـدث الفُرْقَـة والتشـاحن ... .
نتذكـر مقولـة للشـيخ العثيميـن ـ رحمه الله ـ ، ومفادهـا :
" إذا اختلفنــا بمقتضـى الدليـــل فقـد اتفقنــا " .
أي اتفقنـا على منهـج اسـتقاء المعلومـة ، أمـا اختلافنـا فـي المسـألة فهـذا حـدث مـع أفضـل القـرون ، مـع الصحابـة الكـرام .
" ولْنَعْلَـم أن عقـل كـل عالـم ليـس حُجَّـة علـى عقـل الآخـر . ولا حـرج إذا اتبعـت مـا تظـن أنـه الهـدي ولـو خالفـت غيـرك .
ولنمثـل لذلـك بحديـث ابـن عمـر :
* عـن ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ قـال : قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يـوم الأحـزاب :
" لا يصليـنَّ أحـدٌ العصـر إلا فـي بنـي قريظـة " فـأدرك بعضهـم العصـر فـي الطريـق ، فقـال بعضهـم : لا نصلـي حتـى نأتيهـم .
وقـال بعضهـم : بـل نصلـي ، لـم يُـرَدْ مِنَّـا ذلـك . فذُكِـرَ ذلـك للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فلـم يُعَنِّـف واحـدًا منهـم .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 30 ) ـ
باب : مرجع النبي من ... / حديث رقم : 4119 / ص : 471 .
وحاصـل مـا وقـع فـي القصـة :
أن بعـض الصحابـة : حملـوا النهـي علـى حقيقتـه ، ولـم يبالـوا بخـروج الوقـت ، ترجيحًـا للنهـي الثانــي ـ وهـو : " لا يصليــن أحـدٌ العصــر إلا فـي بنـي قريظــة " ـ علـى النهـي الأول ـ وهـو :
[ النهـي عـن تأخيـر الصـلاة عـن وقتهـا وخاصـة صـلاة العصـر ] (1) .
----------------------------------
( 1 ) عن أبي المليح قال : كنا مع بُريدة في غزوة في يوم ذي غَيْمٍ فقال : بكَّروا بصلاة العصر فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
قال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " .
صحيح البخاري . متون / ( 9 ) ـ كتاب : مواقيت الصلاة / ( 15 ) ـ باب : من ترك العصر / حديث رقم : 553 / ص : 69 .
واسـتدلوا بجـواز التأخيـر لمـن اشـتغل بأمـر الحـرب بنظيـر مـا وقـع فـي تلـك الأيـام بالخنـدق :
* عـن جابـر بـن عبـد الله : " أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ جـاء يـومَ الخنـدق بعـد مـا غربـتِ الشـمسُ يسـبُّ كفـار قريـش ، وقـال : يـا رسـول الله ، مـا كـدت أن أصلِّـيَ حتـى كـادتِ الشـمسُ أن تغـربَ .
قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : والله مـا صليتهـا 0 فنزلنـا مع النبـيِّ بُطْحَـانَ ، فتوضأنـا لهـا ، فصلـى العصـرَ بعـد مـا غربـت الشـمس ، ثـم : صلـى بعدهـا المغـربَ " .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 29 ) ـ
باب : غزوة الخندق / حديث رقم : 4112 / ص : 468 .
فجـوزوا أن يكـون ذلـك عامـًّا في كـل شـغل يتعلـق بأمر الحـرب ولا سـيما والزمـان زمـان التشـريع .
والبعـض الآخـر : حملـوا النهـي علـى غيـر الحقيقـة ، وأنـه كنايـة عـن الحـث والاسـتعجال والإسـراع إلـى بنـي قريظـة .
وقـد اسـتدل بـه الجمهـور علـى عـدم تأثيـم مـن اجتهـد لأن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يعنـف أحـدًا مـن الطائفتيـن ، فلـو كـان هنـاك إثـم لعنـف مـن أثـم .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ... / ص : 473 / بتصرف .
o فائـــدة مســتخلصة ممــا ســبق :
ــــــــــــــــــــــــ
الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، لـم يُعَنِّـف أحـد الفريقيـن ، لأن كـل فريـق أخلـص ، وفعـل الـذي
يظـن أن فيـه الاتبـاع والامتثـال لأمـر الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
فالعمـدة فـي الأمـر هـو الامتثـال لمـا يُظَـن أنـه الهـدي ، وأنـه الاتبـاع .
* فمـن صلـى " العصـر " فـي بنـي قريظـة ، رغـم خـروج الوقـت لاعتقـاده أن هـذا مَقْصـد النبـي مـن قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " لا تصليـن العصــر إلا فـي بنـي قريظـة " لأن هـذا ظاهــر النـص . فهـو مأجـور .
ومـن صلـى " العصــر " فـي وقتـه وقبـل الوصــول إلـى بنـي قريظـة لاعتقـاده أن هـذا هـو الاتبــاع " للنـص العـام " : { ... إِنَّ الصَّـلاَةَ كَانَـتْ عَلَـى الْمُؤْمِنِيـنَ كِتَابـاً مَّوْقُوتـاً } .
سورة النساء / آية : 103 .
وفهـم أمـر الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لا تصليـن العصــر إلا فـي بنـي قريظـة " ـ فهِـمَ
هـذا ـ علـى أنـه كنايـة عـن الإسـراع إلـى بنـي قريظـة وفَتْحَهَـا حتـى يدركــوا صـلاة العصـر
لوقتهـا فـي بنـي قريظـة . فهـو مأجـور .
* هـذا مأجـور ، وذاك مأجـور ، لأن كُـلاًّ منهمـا امتثــل لمـا يظـن فيـه الاتبـاع . فاتبـع مـا تَرَجَّـحَ
عنـده أنـه الحـق .
ـ أمـا إذا صلـى أحدهـم مـع الفريـق الأول ( وهـم الذيـن قالـوا : " لا نصلـي حتـى نأتيهـم " ) ،
إذا صلـى العصـر معهـم فـي بنـي قريظـة بعـد خـروج الوقـت ، وكـان يعتقـد أن الاتبـاع فـي الصـلاة
لوقتهـا ، ورغـم هـذا تابعهـم وصلـى معهـم 0 فهــذا آثــم ، رغـم اتفاقهمـا فـي الفعـل .
ـ وأمـا إذا صلـى أحدهـم مـع الفريـق الثانـي ( وهـم الذيـن قالـوا : " بـل نصلـي ، ولـم يُــرَدْ
منَّـا ذلـك " ) ، إذا صلـى العصـر معهـم علـى وقتـه وقبـل الوصـول إلـى بنـي قريظـة ، وكـان يعتقـد
أن الاتبـاع فـي الصـلاة ببنـي قريظـة حتـى لـو خــرج الوقـت ، ورغـم هـذا تابعهـم وصلـى معهـم
العصـر لوقتـه وقبـل الوصـول إلـى بنـي قريظـة .فهـذا آثــم ، رغـم اتفاقهمـا فـي الفعـل .
* * * * *
ومضـــة
=======
مـا سـبق هـو الاختـلاف فـي المسـائل الفقهيـة .
ولكـن قـد يكـون هنـاك خـلاف فـي وجهـات النظـر ـ وليسـت خلافـات فقهيـة بيـن العلمـاء . ويترتـب علـى هـذه الخلافـات فـي وجهـات النظـر فُرْقَـة وهجـر وتجريـح ، وهـذا خـلاف مـا حـض عليـه الإسـلام ، فالإسـلام يدعـو إلـى : التضامـن ، والتماسـك ، والتعـاون .
مثالـــه :
ــــــ
قـد نختلـف فـي موقـف يترتـب علـى فعلـه طاعـة ، فـإذا كانـت هـذه الطاعـة نافلـة والإمـام يمنـع هـذا لمـا يـراه مـن مفاسـد تترتـب علـى هـذا الفعـل وأن الأولـى والاتبـاع تـرك هـذا الفعـل الـذي هـو فـي نفسـه نافلـة وعمــل مسـتحب ولكـن المصلحـة كمـا يراهـا الإمـام تـرك المسـتحب هـذا تَعبُّـدًا .
تطبيقـًا للقاعـدة الفقهيـة :
فَـإِنْ تَزَاحَــمْ عَــدَدُ المَصَالِــحِ يُقـــدَّمُ الأَعلــى مِـنَ المَصَالِــحِ
وَضِـــدُّهُ تَزَاحُـــمُ المَفَاسِـــدِ يُرتَكَــبُ الأَدْنَــى مِــنَ المَفَاسِــدِ
فعلـى المأمـوم التطـاوع للإمـام وعـدم الخـلاف وعـدم الفُرقـة .
وهـذه كانـت وصيـة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمعـاذ بـن جبـل وأبـي موسـى الأشـعري عندمـا بعثهمـا لليمـن للدعـوة ، فقـال لهمـا " تطاوعـا ولا تختلفـا " .
قـال البخـاري فـي صحيحـه : حدثنـا يحيـى ، قـال : حدثنـا وكيـع عـن شـعبة عـن سـعيد بـن أبـي بُـرْدةَ عـن أبيـه عـن جـده أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعـث معـاذًا وأبـا موسـى إلـى اليمـن قـال : " يسِّـرا ولا تُعسـرَا وبشـرَا ولا تنفِّـرا ، وتطاوعـا ولا تختلفـا " .
صحيح البخاري . متون / ( 56 ) ـ كتاب : الجهاد والسِّيَرِ / ( 164 ) ـ باب : ما يُكره من التنازع والاختلاف
في الحرب وعقوبة من عصى إمامه / حديث رقم : 3038 / ص : 356 .
* * * * *
المطلــب الثانـــي
موقــف طالـــب العلــم مــن اختــلاف العلمــاء
========================
إن طالـب العلـم ينبغـي ألا يَضِيـق بالخـلاف ذرعـًا ، بـل إن كثيـرًا مـن الخـلاف بيـن أهـل العلـم فـي القديـم والحديـث لا محيـد عنـه ولا مفـر ، وهـو أمـر مـن طبيعـة اختـلاف البشـر واجتهاداتهـم وتبايـن آرائهـم وأنظارهـم ، ولكـن علـى الطالـب أن ينتبـه لأمـور :
ü قَـلَّ أن تجـد مسـألة فقهيـة بـل وغيـر فقهيـة ؛ حاشـا " مسـائل العقيـدة الأسـاسـية " إلا وتجـد فيهـا اختلافًـا ، وقَـلَّ أن تجـد حديثًـا ؛ حاشـا مـا فـي " الصحيحيـن " ؛ إلا وتجـد خلافـًا فـي الحكـم عليـه .
ü الخـلاف فـي الترجيـح بيـن الأقـوال فـي المسـائل أو فـي الحكـم علـى الأحاديـث ليـس علـى درجـة واحـدة ، فمنـه الخـلاف القـوي الـذي تكـاد تتقابـل فيـه الأدلـة ـ قـوة ـ .
ومنـه الخـلاف الضعيـف الـذي فيـه قـول ظاهـر القـوة ومـا عـداه دون ذلـك ـ أي رأي راجـح وآخـر مرجـوح ـ ، ومنـه مـا بيـن هـذا وذاك .
وعليـه فترجيـح مجتهـد لقـول مـا فـي مسـألة أو حكـم علـى حديـث لا يعنـي اطِّـراح القـول المقابـل لـه حتـى لا يُنظـر إليـه ألْبَتَّـة ، أو يَظُـنّ الطالـبُ أن الحكـمَ فـي المسـألةِ أو علـى الحديـث قـد فُـرِغَ منـه ، لا سـيما فـي ما كـان الخـلاف فيـه قويًّـا ، ما لـم يكـن ذلـك القـول المطَّـرح ظاهـر الضعـف .
ـ وتَعْجـب ممـن يقولـون لا نقلـد أحـد المذاهـب ، لكنهـم فـي الحقيقـة يقعـون فـي تقليـد آخريـن مـن سـابقين أومعاصريـن .
فالعبـرة بالاتبـاع وليـس بالتقليـد ، والعبـرة باتبـاع الدليـل بمعنـى أن تأخـذ بهـذا القـول لأن دليلـه أو تعليلـه أقـوى مـن دليـل أو تعليـل الآخـر فيمـا يتبيـن لـك ، لا لأن فلانـًا قـال بـه فحسـب . وهـذا بالنسـبة لطالـب العلـم أمـا العامـي (1) لـه فـي هـذا بيـان آخـر .
ـ والعجـب مـن البعـض أنهـم إذا وجـدوا فتـوى تخالـف مـا اعتـادوه فـي بلدهـم بنــاءً علـى فتـوى
علمائهـم ، إذا رأوا ذلـك طـاروا بـه كـل مَطْيـر وكأنهـم ظفـروا بمـا لـم يظفـر بـه السـابقون ، ولـم
---------------------------
( 1 ) بالنسبة للعامي الذي لا يستطيع الدراسة والترجيح ... ، فله أن يبحث ويسأل عن أحد العلماء العاملين بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فيقلده ويرجع إليه فيما يعرض له من مسائل شرعية .
يعلمـوا أن الاجتهـاد لا يُعَـارض بمثلـه ، فعـلامَ يعارضـون فتـوى فـلان بفتـوى فـلان ؟ !
ربمـا لـو قلـتَ لـه إن مـا تخالفـه هـو فتـوى فـلان مـن الصحابـة ، أو جُـل الصحابـة ، لتعجـب لأنـه كـان يظـن أن مـا ظفـر بـه مـن الفتـوى قاطـعٌ قـولَ كـل خطيـب .
ـ والأمـر أيسـر مـن ذلـك بكثيـر ، فهـذا أدَّاه اجتهـاده إلـى كـذا ، وهـذا أدَّاه اجتهـاده إلـى كـذا ، وكلهـم يعلـم أن المسـألة ليسـت مقطوعًـا بهـا ، ولا مُجْمَعًـا عليهـا ، ولـو اجتمعـا فـي مجلـس لـم ينكـر أحدهمـا على الآخـر ولم يعنِّفـه ، ولكـن الخَطْـب غالبًـا ما يأتـي مـن النَّقَلَـة والـرواة والأتبـاع .
ـ وإذا كـان هـذا فـي الترجيـح فـي المسـائل ، فمثلـه يقـال فـي الحكـم علـى الأحاديـث ، والاختـلاف فيهـا ، فإنـك قـد تجـد مَـنْ إذا ظفـر بمـن يضعـف حديثًـا قـد اشـتهر عنـد النـاس العمـل بـه ، لتصحيـح بعـض علمائهـم لـه مـن السـابقين والمعاصريـن ممـن شـهد لـه النـاس بالمعرفـة فـي هـذا الفـن ، إذا ظفـر بذلـك ظـن أن تصحيحـه غيـر معتبـر ألْبتـة ، وراح يحـذر النـاس منـه وكأنـه حديـث موضـوع اتفـق العلمـاء علـى تركـه ، فهـو وإن ضعفـه فـلان ـ مـن أهـل هـذا العلـم ـ فقـد صححـه فـلان أيضـًا ممـن هـو من أهـل هـذا الشـأن وربمـا يكـون له سـلف أيضـًا فـي تصحيحـه .
ـ وعـى طالـب العلـم أن يكـون صـدره متسـعًا لهـذا وذاك ، وإذا ضَعَّـفَ الحديـث متبعـًا قـول فـلان ، فـلا ينبغـي أن يكـون علـى وجـه الاسـتهانة بمـن صححـه أو عـدم الاعتبـار لـه ، ولا ينبغـي أيضـًا أن يحمـل النـاس علـى ذلـك .
ـ ورحـم الله " الإمـام مالكـًا " لما صَنَّـفَ الموطـأ فـأراد المنصـور أن يحمـل الأمصـار على العمـل بـه ، فأبـى ذلـك " الإمـام مالـك " .
[ فقـد روى ابـن عسـاكر أن أبـا جعفـر المنصـور سـأل الإمـام مالـك ـ رحمه الله ـ أن يحمـل النـاس علـى كتابـه الموطـأ ، فقـال " الإمـام مالـك " لـه :
لا تفعـل هـذا ، فـإن النـاس قـد سـبقت إليهـم أقاويـل ، وسـمعوا أحاديـث وروايـات ، وأخـذ كـل قـوم منهـم بمـا سـبق إليهـم وعملـوا بـه ودانـوا بـه مـن اختـلاف النـاس وغيرهـم ، وإنَّ ردَّهـم عمـا اعتقـدوا شـديد ، فـدع النـاس ومـا هـم عليـه ومـا اختـار أهـل كـل بلـد لأنفسـهم ] .
التوحيد / جمادى الأولى 1425 / ص : 71 / بتصرف .
" الأثر " من كتاب : فقه الخلاف بين المسلمين / ص : 28 .
قـال الشـيخ الألبانـي فـي صفـة صـلاة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ص : 64 / تحـت موضـوع شـبهات والـرد عليهـا :
أحسـن مـا وقعـت عليـه مـن الروايـة ، مـا ذكـره الحافـظ ابـن كثيـر فـي " شـرح اختصـار علـوم الحديـث " ص : 42 ، وهـو أن الإمـام مالـك قـال : ( أي قـال للمنصـور عندمـا أراد أن يحمـل النـاس علـى كتـاب الموطـأ ـ فأبـى الإمـام مالـك وقـال ـ : [ إن النـاس قـد جمعـوا واطلعـوا علـى أشـياء لـم نطلـع عليهـا ] . ا . هـ . بتصرف .
ـ ولا ينبغـي أن تـؤدي هـذه المسـائل ـ الخلافيـة ـ إلـى التدابـر والتباغـض والـولاء والبـراء .
قـال الذهبـي فـي " سِـير أعـلام النُّبَـلاء ( 14 / 376 ) " ـ بعـد ذِكْـر مسـألةٍ يـرى فيهـا أن أحـد الأئمـة الأعـلام قـد أخطـأ فـي اجتهـاده ـ :
" ولـو أنَّ كـلَّ مـن أخطـأ فـي اجتهـاده ـ مـع صحـة إيمانـه ، وتوخِّيـه لاتبـاع الحـق ـ أهدرنـاه وبدَّعْنـاه ، لَقَـلَّ مَـن يَسْـلَم مـن الأئمـة معنـا ، رحـم الله الجميـع بمنـه وكرمـه " .
الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 242 .
وورد بنفـس المرجـع :
ومهمـا يكـن مـن أمـر ؛ فإنـه لا ينبغـي أن نختلـف ، أو نتفـرق ، أو نُوالـي ، أو نعـادي فـي هـذه المسـائل ـ الخلافيـة ـ .
وليـس لأحـدٍ أن يُلـزم الآخـر برأيـه ، والمهـم ألاَّ يتبـع المـرء هـواه ، فمـا دام قـد اعتمـد علـى أقـوال العلمـاء ، مـع بـذل الأسـباب فـي معرفـة الحـق والصـواب ، والتجـرّد مـن الهـوى والتعصـب ، فقـد سـدَّد وقـارب ونجـا بإذن الله تعالـى .
الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 318 / بتصرف .
o فـائـــدة :
ــــــــ
ينبغـي عنـد الخـلاف أن يكـون معتقـدي كمـا قـال العلمـاء :
رأيـي هـو الصـواب ويحتمـل الخطـأ .
ورأي غيـري هـو الخطـأ ويحتمـل الصـواب .
* * * * *
المطلـــب الثالـــث : أنـــواع الخـــلاف
=============
يمكـن أن نقسـم الخـلاف الواقـع بيـن المسـلمين إلـى اختـلاف التنـوع واختـلاف التضـاد .
· النـــوع الأول : اختــلاف التنــوع :
-------------------------
وهـو مـا لايكـون فيـه أحـد الأقـوال مناقضًـا للأقـوال الأخـرى ، بـل كـل الأقـوال صحيحـة 0 وهـذا مثـل : وجـوه القـراءات ، وأنـواع التشـهدات (1) والأذكـار .
فمـن قـرأ مثـلاً فـي الفاتحـة : " مالـك يـوم الديـن " وهـو يعلـم صحـة مـن قــرأ : " ملـك يـوم الديـن " ، فـلا يكـون هـذا مناقضًـا لهـذا ، فالكـل يعلـم أن القـرآن نـزل علـى سـبعة أحـرف كلهـا شـاف كـاف .
ومـن يقــرأ فـي التشـهد بتشـهد ابـن مسـعود لا يــرى مانعًــا مـن تشـهد ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ ، أو تشـهد عمـر ـ رضي الله عنه ـ .
ومـن هـذا البـاب : الواجـب المخيـر مثـل " كفـارة اليميـن " :
قـال تعالـى : { لاَ يُؤَاخِذُكُـمُ اللهَ بِاللَّغْــوِ فِـي أَيْمَانِكُـمْ وَلَكِـن يُؤَاخِذُكُـم بِمَـا عَقَّدتُّــمُ الأَيْمَـانَ فَكَفَّارَتُـهُ إِطْعَـامُ عَشَـرَةِ مَسَـاكِينَ مِـنْ أَوْسَـطِ مَـا تُطْعِمُـونَ أَهْلِيكُـمْ أَوْ كِسْـوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيـرُ رَقَبَـةٍ فَمَـن لَّـمْ يَجِـدْ فَصِيَـامُ ثَلاَثَـةِ أَيَّـامٍ ذَلِـكَ كَفَّـارَةُ أَيْمَانِكُـمْ ... } .
سورة المائدة / آية : 89 .
فـأي واحـد مـن الثلاثـة فعـل ، مـن الإطعـام أو الكسـوة أو العتـق ، أجـزأه وهـو يفعـل واحـدًا منهـا مـع اعتقـاده أن غيـره مـن الثلاثـة صحيـح ، أمـا الصيــام فـلا يجـوز الانتقـال إليـه إلا إذا عدمـت الثلاثـة .
ومـن هـذا البـاب : تنـوع الأعمـال الصالحـة (2) .
وخلاصـة القـول فـي اختـلاف التنـوع أنـه مـن مقتضيـات الرحمـة ومظاهرهـا ، وأنـه لابـد مـن اسـتثماره لتحقيـق التكامـل بيـن المسـلمين والترابـط .
· النـــوع الثانــي : اختــلاف التضــاد :
----------------------------
( 1 ) انظر أنواعًا من صيغ التشهد في : صفة صلاة النبي ... / للألباني / تحت عنوان : صيغ التشهد / ص : 161 .
( 2 ) مثال تنوع الأعمال الصالحة يُرجع إلى :
صحيح البخاري . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الصوم / ( 4 ) ـ باب : الريان للصائمين / حديث رقم : 1897 / ص : 214 .
وهـو أن يكـون كـل قـول مـن أقـوال المختلفيـن يضـاد الآخـر ويُحكـم بخطئـه أو بطلانـه ، وهـو
يكـون فـي الشـيء الواحـد ، يقـول البعـض بحرمتـه والبعـض بحلـه .
وهـذا النـوع مـن الخـلاف ينقسـم إلـى نوعيـن :
النـــوع الأول : خـلاف سـائغ غيـر مذمـوم .
النـــوع الثانـــي : خـلاف غيـر سـائغ مذمـوم .
أولاً : النــوع الأول : الخــلاف الســائغ غيــر المذمــوم :
==================
ـ تعريفـه :
وهـو الخـلاف الـذي لا يخالـف نصـًّا ، مـن كتـاب ، أو سـنة صحيحـة ، أو إجماعـًا ، أو قياسـًا جليـًّا .
ومعنـى " النـص " هنـا ، مـا لا يحتمــل إلا معنـى واحـدًا لا اجتهـاد فـي فهمـه علـى وجـوه متعـددة ، وليـس مجـرد وجـود حديـث أو أحاديـث فـي البـاب ـ فقـد توجـد ـ لكـن تكـون دلالاتهـا مُحْتَمَلَـة ، ووجـوه الجمـع مختلفـة ، والتصحيـح والتضعيـف محـل نظـر . فـلا يكـون فـي المسـألة نـص .
قـال شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة :
" والصــواب الـذي عليـه الأئمـة ، أن مسـائل الاجتهـاد مـا لـم يكـن فيـه دليـل يجـب العمـل بـه وجوبـًا ظاهـرًا مثـل حديـث صحيـح لا معـارض لـه مـن جنسـه " .
فقه الخلاف ... / ص : 26 .
* أســباب هـذا الخـــلاف الســائغ :
===========
1ـ مـن هـذه الأسْـبَاب أن الشـرع لـم ينصـب دليـلاً قاطعـًا علـى كـل المسـائل ، بـل جعـل دليـلاً ظنيـًّا يحتـاج لبحـث واجتهـاد ونظـر ، يقـوم بـه مـن حَصَّـلَ مقومـات الاجتهـاد والنظـر .
2 ـ ومنهـا أن أفهـام العبـاد مختلفـة متفاوتـة ، قـد فضـل الله بعضهـم علـى بعـض فيهـا ، فمـا يدركـه
هـذا لا يفهمـه هـذا ، ومـا يـراه الواحــد قـد يغيـب عـن الآخريـن ، وقـد أشـار القــرآن إلـى ذلـك
بقولـه تعالـى : { فَفَهَّمْنَاهَـا سُـلَيْمَانَ وَكُـلاًّ آتَيْنَـا حُكْمـاً وَعِلْمـاً ... } (1) . سورة الأنبياء / آية : 79 .
فخـص سـليمان بالتفهيـم .
-------------------------------
( 1 ) وذلك عندما حكم سليمان بين المرأتين ، وجعل الطفل للصغرى .
* فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :
" بينمـا امرأتـان معهمـا ابناهمـا ، جـاء الذئـب فذهـب بابـن إحداهمـا .
فقالـت هـذه لصاحبتهـا : إنمـا ذهـب بابنـكِ أنـتِ .
وقالـت الأخـرى : إنمـا ذهـب بابنـكِ .
فتحاكمتـا إلـى داود . فقضـى به للكبـرى . فخرجتـا علـى سـليمان بـن داود عليهمـا السـلام
فأخبرتـاه .
فقـال : ائتونـي بالسـكين أشـقُّه بينكمـا . فقالـت الصغـرى : لا ، يرحمـك الله ! هـو ابنهـا . فقضـى
بـه للصغـرى " .
قـال : قـال أبـو هريـرة : والله ! إن سـمعتُ بالسـكين قـط إلا يومئـذٍ . مـا كنـا نقـولُ إلا المُدْيَـةَ .
صحيح مسلم . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الأقضية / ( 10 ) ـ باب :
بيان اختلاف المجتهدين / حديث رقم : 1720 / ص : 448 .
3 ـ ومنهـا أن قـدرة العبــاد علـى البحـث والاجتهـاد مختلفـة أيضـًا ، فمـا يقــدر عليـه البعـض
يعجـز عنـه البعـض ، وكـلٌّ مكلـف بمـا يقـدر عليـه .
قـال تعالـى : { لاَ يُكَلِّـفُ اللهُ نَفْسـاً إِلاَّ وُسْـعَهَا ... } . سورة البقرة / آية : 286 .
4ـ ومنهـا اختـلاف طريقـة التعلـم والتعليـم بيـن علمـاء المسـلمين فـي بلادهـم المختلفـة ، وقـد
فطـر الله العبـاد علـى التأثـر بمـا تعلمـوه أولاً .
مثـلاً : هنـاك بعـض البــلاد تـدرس الفقـه علـى مذهـب الإمـام أحمـد أي علـى المذهـب الحنبلـي ،
فنجـد كـل العلمـاء في هـذا القطـر متأثـرون إلى حـد كبيـر بهـذا المذهـب ، ويظهـر هـذا فـي
كتبهـم ، واجتهادهـم .
ـ ومعرفـة هـذه الأسـباب ضـرورة فـي إدراك التعامـل الصحيـح مـع هـذا الاختـلاف 0 فـإذا علمنـا
أن هـذه الأسـباب لا يمكـن إزالتهـا ، عرفنـا أن الاجتهــاد فـي معرفـة الصحيـح مـن مسـائل
الاختـلاف ، وما يرجحـه البعـض مـن أهــل العلــم فيهـا بمـا وصـل إلـى فهمـه وعلمـه مـن
أدلـة ، وبحسـب قدرتـه علـى النظــر والبحـث والاجتهـاد ، لـن يلغـي اجتهــاد غيـره ، ولـن
يُخْــرِج المسـألة عـن كَوْنِهَـا مـن مسـائل الاجتهـاد ، وبالتالـي لا تضيـق الصـدور بوجـود هـذا ـ
الاختــلاف ـ بيـن أهـل العلـم ، خاصـة بيـن أهـل السـنة وأتْبَــاع السـلف ، كمـا يحـدث لـدى
كثيــر ممـن تعـوَّد السـؤال عـن الراجـح مـن الأقـوال ، وظــن أن كـل مسـألة فيهـا قـول
راجــح مطلقـًا ، ولـم يتفطــن أنـه راجـح عنـد فـلان ، ومرجــوح عنـد غيـره ، ولاشـك أن
السـؤال عـن الراجـح مـن الأقـوال والأدلـة أمــر محمـود مـن طالـب العلــم ، ودليـل علـى
ورعـه وعـدم حرصــه علـى تعـدد الأقـوال لينتقـي بشـهوته أطيبهــا وأقربهـا إلـى رغبتـه كمـا يفعــل ـ البعـض ـ ، ولكـن لابـد مـن تعميــق فقـه مسـائل الاختـلاف السـائغ ، حتـى لا تدخـل عنـده فـي قضيـة البغـض في الله ، والمعـاداة فـي الله رغـم اتفـاق السـلف علـى خـلاف ظنـه .
فقه الخلاف ... / ص : 27 / بتصرف .
وليكـن الحـوار الهـادئ الـذي نلتـزم فيـه بمـا أدبنـا بـه العلمـاء ، وكمـا نعرفـه مـن طرقهـم
فـي البحـث والمناظـرة والـرد الرفيـق علـى المُخَالِـف ، ليكـن هـذا الحـوار هـو الأسـلوب الـذي
ينتهجــه المسـلمون فـي خلافاتهـم حـول المسـائل التـي يسـوغ فيهـا الاختــلاف والاجتهــاد ،
وليبــذل كـل منـا جهـده فـي معرفــة الحـق والعمــل بـه ، وليعـذر الآخريـن داعيـًا للجميـع
بالهدايـة والتوفيـق لمـا يحبـه الله ويرضـاه والقبـول عنـده سـبحانه .
فقه الخلاف ... / ص : 38 .
* ثمــرة معرفــة أســباب الخــلاف الســائغ :
=====================
عنـد معرفـة أسـباب الخــلاف وأنـه لا سـبيل لإزالتهـا يجعلنـا لا نحـاول السـير فـي طريـق يتمنـاه
البعـض لقلـة فهمـه لهـذه المسـائل ، ولقراءتـه لواحـد مـن أهـل العلـم ، أو تلقيـه منـه دون غيـره ،
ألا وهـو محاولـة توحيـد الأمـة فـي كـل المسـائل علـى قـولٍ واحـدٍ ، وقـد يتعمـق هـذا لـدى بعـض
المبتدئيـن مـن طـلاب العلـم حيـن يَجـد كثيــرًا مـن العلمــاء خاصـة المعاصريـن ينتصـر لقــول
مُضَعفـًا ما سـواه ، بـل ربمـا لا يشـير إلـى الخـلاف أصـلاً فضـلاً عـن الإشـارة إلـى درجتـه ، وهـل
هـو سـائغ أم غيــر سـائغ ، ولاشـك أن هـذا مسـلك مـا سـلكه أحــدٌ مـن أئمــة العلـم ، بــل
المشـهور عنهـم رده علـى مَـنْ طلبـه منهـم .
روى ابـنُ عسـاكر أن أبـا جعفــر المنصـور سـأل الإمـام مالـك ـ رحمه الله ـ أن يحمــل النـاس علـى
كتابِـهِ " الموطــأ " . فقـال لـه " الإمـام مالـك " : لا تفعــل هـذا ، فـإن النــاس قـد سـبقت إليهـم
أقاويـل وسـمعوا أحاديـث وروايـات ، وأخـذ كـل قـوم منهـم بمـا سـبق إليهـم وعملـوا بـه ودانـوا
بـه مـن اختـلاف النـاس وغيرهـم ، وإن ردَّهـم عمـا اعتقـدوا شـديد ، فـدع النـاس ومـا هـم عليـه
ومـا اختـار أهـل كـل بلـدٍ منهـم لأنفسـهم .
فقه الخلاف ... / ص : 28 .
* أمثلـــة للاختــلاف الســائغ :
=======================
1 ـ فـي الأمـور الاعتقاديـة والعلميـة :
**************************
ينـدر فـي أصـول الأمـور الاعتقاديـة والعلميـة هـذا النـوع مـن الخـلاف ، بـل أصولهـا الكبـرى مـن
الإيمــان بالله وأسـمائه وصفاتــه وربوبيتـه وألوهيتـه ، والإيمـان بملائكتـه وكتبـه ورسـله ، واليـوم
الآخـر والقـدر ، كلهـا إما مـن المعلـوم مـن الديـن بالضـرورة ، أو المُجْمَـع عليـه بيـن أهـل العلـم .
والمقصـود بالمعلـوم مـن الديـن بالضـرورة : مـا انتشـر بيـن المسـلمين حتـى علمـه الخـاص والعـام
والعالـم والجاهـل .
وأمـا المجمـع عليـه بيـن أهـل العلــم : فهـو الـذي يعـرف العلمــاء الإجمـاع فيـه ، وإن لـم يكـن
منتشـرًا بيـن عـوام المسـلمين .
لكـن توجـد فـي بعـض تفاصيـل ذلـك (1) بعـض الاختلافـات السـائغة أشـار إليهـا العلمـاء ، كمـا
ذكـر ابـن تيميـة ، مـن ذلـك : الخـلاف فـي رؤيـة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ربـه . ومنهـا
الخـلاف فـي تسـمية أفعـال الـرب حـوادث (2) مـع الإجمـاع علـى أنهـا ليسـت مخلوقـة ، وأن حدثـه
لا يشـبه حـدث المخلوقيـن عند من أجـاز ذلـك كالإمـام البخـاري وابـن تيميـة وابن القيـم ـ رحمهم الله ـ .
فقه الخلاف ... / ص : 29 .
2 ـ فـي الأمـور العلميـة والفقهيـة :
************************
وهـي أكثـر مـن أن تحصـى .
مثالـه : الاختـلاف فـي كثيـر مـن أمـور الوضـوء والصــلاة ، كوجـوب المضمضـة والاسـتنشـاق أم
اسـتحبابهما ، ووجـوب الترتيـب فـي الوضــوء أم اسـتحبابه ، ووضــع اليمنـى علـى اليسـرى علـى
الصـدر بعـد ـ القيـام ـ مـن الركـوع أم إرسـالهما ، والنـزول علـى الركبتيـن أم علـى اليديـن ... .
فقه الخلاف ... / ص : 32 .
o تنبيــه هــام :
ـــــــــــ
ليـس معنـى أن الخـلاف فـي المسـألة خـلاف سـائغ ، أنـه يجـوز لكـل واحـد أن ينتقـي بالتشـهي أيًّـا مـن القوليـن دون اجتهـاد .
قـال أبـو عمـر بـن عبـد البَـر فـي جامـع بيـان العلـم وفضلـه / ص : 360 .
" أجمـع العلمـاء ـ علـى ـ أنـه لا يجـوز تتبـع رخـص العلمـاء ، فضـلاً عـن الـزلات والسـقطات " .
ا . هـ .
------------------------------------
( 1 ) " ذلك " : أي في بعض تفاصيل الأمور الاعتقادية والعلمية .
( 2 ) يرجع لتفصيل ذلك إلى بحث عقيدة التوحيد .
فالواجـب علـى الإنسـان علـى حسـب مرتبتـه فـي العلـم الآتـي :
1ـ " العالـم المجتهـد " : يلزمـه البحـث والاجتهـاد ، وجمـع الأدلـة ، والنظـر فـي الراجـح منهـا ، فمـا
ترجـح عنـده قـال بـه وعمـل بـه وأفتـى .
ومـا أحـراه فـي المسـائل التـي تعـم بهـا البلـوى أن يشـير إلـى الخـلاف فيهـا مـع بيـان مـا يـراه
صوابـًا .
2ـ " طالـب العلـم المميِّـز القـادر علـى الترجيـح " : عليـه أن يعمـل بمـا ظهـر لـه دليلـه مـن أقـوال
العلمـاء .
3ـ " العامـي (1) المقلـد العاجـز عـن معرفـة الراجـح بنفسـه " : عليـه أن يسـتفتي الأوثـق الأعلـم مـن أهـل العلـم عنـده ، ويسـأله عـن الراجـح ، فيعمـل بـه فـي نفسـه ، ويجـوز نقلـه لغيـره مـن غيـر إلـزام لهـم بـه ، ومـن غيـر إنكـار علـى مـن خالفـه بـأيٍّ مـن درجـات الإنكـار . أمـا مـا يفعلـه كثيـر مـن أهـل زماننـا فـي مسـائل الخـلاف السـائغ أو غيـر السـائغ ، بأخـذ مـا يشـتهي ، بـل يفعلـه كثيــر مـن المنتسـبين إلـى العلــم ، ويفتـي البعـضُ بجـواز التلفيــق بيـن المذاهـب ، لا بحسـب الأدلـة والاجتهـاد ، بـل بمجـرد موافقتـه مـا يظنونـه مصلحـة أو تيسـيرًا علـى النـاس ، أو أن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يُخَيَّـر بيـن أمريـن إلا اختـار أيسـرهما ، فهـذا مـن الخطـأ العظيـم المخالـف للإجمـاع القديـم كمـا نقلـه " أبـو عُمَـر بـن عبـد البـر " ، فإنمـا اختيـار الأيســر هـو فـي الأمـور الاختياريـة .
أما مـا كـان فيه إثـم وحــلال وحــرام وواجـب ومنـدوب ، فلابـد مـن الترجيــح والاجتهـاد علـى
حسـب درجـة كـل واحـد كمـا سـبق بيانـه ، وهـذا فـي الخـلاف السـائغ ، فمـا بالـك فـي الخـلاف
غيـر السـائغ كمـا يأتـي تفصيلـه إن شـاء الله .
فقه الخلاف ... / ص : 34 .
هــل الخـــلاف رحمـــة :
*********************
قـال غيـر واحـد مـن العلمـاء أن الخـلاف رحمـة ، وقـد ذكـروا فيـه حديثًـا عـن النبـي ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ـ :
" اختـلاف أمتـي رحمـة " (2) .
------------------------------------
( 1 ) العامي : مشتقة من العمى .
( 2 ) قال عنه الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي / تحت عنوان شبهات وجوابها / ص : 59 : لم أقف له ـ أي الحديث ـ على سند
صحيح ، ولا ضعيف ، ولا موضوع . ا . هـ .
وهـو لا يصـح سـندًا ولا متنًـا ، بـل هـو منكـر ضعيـف ، وإنمـا هـو كـلام بعـض العلمـاء ، وليـس معنـى ذلـك عندهـم أن الاختـلاف نفسـه رحمـة ، بـل الكتـاب والسـنة يذمـان الاختـلاف .
قـال تعالـى : { ... وَلاَ يَزَالُـونَ مُخْتَلِفِيـنَ * إِلاَّ مَـن رَّحِـمَ رَبُّـكَ وَلِذَلِـكَ خَلَقَهُـمْ ... } .
سورة هود / آية : 118 ، 119 .
* عـن العربـاض بـن سـارية ، قـال : وعظنـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يومًـا بعـد صـلاة الغـداة موعظـةً بليغـةً ذرفـت منهـا العيـون ووجلـت منهـا القلـوب ، فقـال رجـل : إن هـذه موعظـة مـودع فمـاذا تعهـد إلينـا يـا رسـول الله ؟
قـال : " أوصيكـم بتقـوى الله والسـمع والطاعـة ، وإنْ عبـدٌ حبشـي ، فإنـه مـن يعـش منكـم يـرى اختلافـًا كثيـرًا ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور فإنهـا ضلالـة فمـن أدرك ذلـك منكـم فعليـه بسـنتي وسـنة الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، عَضُّـوا عليهـا بالنَّوَاجِـذ " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 39 ) ـ كتاب : العلم عن رسول الله / ( 16 ) ـ باب :
ماجاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع / حديث رقم : 2676 / ص : 603 . صحيح .
وقـال ابـن مسـعود : " الخــلاف شــر " .
* قـال أبـو داود : حدثنـا مُسَـدَّد ، أن أبا معاويـة وحفـص بـن غِيَـاثٍ حدَّثاهـم [ حدَّثـاه ] (1)
ـ وحديـث أبـي معاويـة أتـّم ـ عـن الأعمـش ، عن إبراهيـم ، عـن عبـد الرحمـن بـن يزيـد ، قـال :
صلـى عثمـان بمنـى أربعـًا ، فقـال عبـد الله (2) : صليـتُ مع النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ركعتيـن ، ومـع أبـي بكـر ركعتيـن ، ومـع عمـر ركعتيـن ـ زاد عـن حفـص : ومـع عثمـان صـدرًا مـن إمارتـه ، ثـم أتمهـا ـ زاد مِـنْ هاهنـا عـن أبـي معاويـة : ثـم تفرقـت بكـم الطـرق ، فلـوَدِدتُ أنَّ لـي مـن أربـع ركعـات ركعتيـن متقبلتيـن. قـال الأعمـش : فحدثنـي معاويـة بـن قُـرةَ عـن أشـياخه أن عبـد الله (2) صلـى أربعـًا ، قـال : فقيـل لـه : عِبـتَ علـى عثمـان ثـم صليـت أربعـًا ؟ ! قـال : الخـلاف شــر .
سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 5 ) ـ أول كتاب المناسك /
( 76 ) ـ باب : الصلاة بمنى / حديث رقم : 1960 / ص 341 / صحيح .
* وعـن الزهـري ، قـال : أن عثمـان َ بـنَ عفــانَ أتـمَّ الصـلاةَ بمنـىً مـن أجـل الأعـراب ، لأنهـم
كثُـرُوا عامَئِـذٍ ، فصلـى بالنـاس أربعـًا ليعلمهـم أن الصـلاة أربـع ٌ .
المصدر السابق / حديث رقم : 1964 / ص : 342 / حسن .
----------------------------------------------
( 1 ) في نسخة : حدثاه .
( 2 ) أي عبد الله بن مسعود .
ورد فـي عـون المعبـود / ج : 5 / كتـاب المناسـك / ( 76 ) بـاب : الصـلاة بمنـى/ ص : 306 :
( وحديـث أبـي معاويـة أتـم ) ---> هـذه مقولـة أبـي داود .
( عـن الأعمـش ) ---> أي يـروي أبـو معاويـة وحفـص عـن الأعمـش .
( زاد ) ---> أي مُسَـدّد .
( مـن هـا هنـا ) ---> أي مـن قولـه الآتـي " ثـم تفرقـت " إلـى آخـره .
( ثـم تفرقـت بكـم الطـرق ) ---> أي اختلفتـم ، فمنكـم مـن يُقْصِـر ، ومنكـم مـن لا يُقْصِـر .
( فلـوددت ) ---> أي فلتمنيـت ، غرضـه ووددت أن عثمـان صلـى ركعتيـن بـدل الأربـع كمـا كـان
النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وصاحبـاه يفعلونـه .
وفيـه كراهـة مخالفـة مـا كانـوا عليـه . كـذا فـي عمـدة القـارئ .
وقـال الحافـظ فـي فتـح البـاري : قـال الـداوادي : خشـي ابـن مسـعود أن لا يجـزي الأربـع فاعلهـا
وتبـع عثمـان كراهيـة لخلافـه ، وأخبـر بمـا يعتقـده . ا . هـ .
فالخـلاف شـر ، ولكـن مقصـود هـؤلاء العلمـاء الذيـن قالـوا الاختـلاف رحمـة .
فليـس المقصـود أن الاختــلاف (1) نفسـه رحمـة أو أنـه مطلــوب شـرعًا كمـا يظـن مـن لا يفهـم
كـلام أهـل العلـم ، وإنمـا المعنـى أن أصحـاب هـذا الاختـلاف لا يعذبـون طالمـا بذلـوا وسْـعَهم فـي
معرفـة الحـق ، كـل حسـب علمـه وقدرتـه ، والحـق فيـه واحـد لا يتعـدد .
فقه الخلاف ... / ص : 36 / بتصرف .
* فعـن عمـرو بـن العـاص أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول :
" إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ فلـه أجـر" .
صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ باب : أجر
الحاكم إذاأصاب أو أخطأ / حديث رقم : 7352 / ص : 853 .
وكمـا دل عليـه القـرآن الكريـم بالثنـاء علـى داود وسـليمان مـع تصويـب سـليمان ـ عليهما السلام ـ
قـال تعالـى : { ... فَفَهَّمْنَاهَـا سُـلَيْمَانَ وَكُـلاًّ آتَيْنَـا حُكْمـاً وَعِلْمـاً ... } . سورة الأنبياء / آية : 79 0
* * * * *
----------------------------------------
( 1 ) من أراد المزيد من التفاصيل في هذا الموضوع ، فليرجع إلى صفة صلاة النبي للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / تحت عنوان :
شبهات وجوابها / ص : 58 .
ثانيًــا : النــوع الثانـي : الخــلاف غيــر الســائغ المذمــوم :
==================
تعريفــه :
هـو مـا خالـف نصًـا مـن كتـاب أو سـنة أو إجمـاع أو قيـاس جلـي لا يُخْتلـف فيـه .
* أســباب الخــلاف غيــر الســائغ المذمــوم :
================
1ـ البغـي والتنافـس علـى الدنيـا ورئاسـتها 0
التنافـس علـى الدنيـا سـبب البغـي ، والبغـي سـبب الاختـلاف والفُرْقـة :
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" ... فوالله لا الفقــر أخشـى عليكـم ولكـن أخشــى عليكـم أن تُبسـطَ عليكـم الدنيـا كمـا
بُسِـطَتْ علـى مـن كـان قبلكُـم فتنافسـوها كمـا تنافسـوها وتهلككـم كمـا أهلكتهـم " .
صحيح البخاري . متون / ( 58 ) ـ كتاب : الجزية / ( 1 ) ـ باب : الجزية و ... / حديث رقم : 3158 / ص : 372 .
وتأمـل فـي التاريـخ كيـف كـان قتـل عثمــان ـ رضي الله عنه ـ ظلمًـا وبغيًـا ومنافسـة ممـن قتلــوه
علـى رياسـة أرادوهـا وليسـوا لهـا أهـلاً ، ومـا جــرَّه ذلـك علـى الأمـة مـن الفتنــة التـي لـم
تُصِـب الذيـن ظلمـوا خاصـة ، بـل عمـت الصالحيـن وغيرهـم .
o العـــلاج :
ــــــــ
ولا عـلاج لذلـك إلا بإخـلاص النيـة لله سـبحانه وتعالـى والتنافـس على الآخـرة كمـا أمرنـا الله تعالـى :
{ لِمِثْـلِ هَـذَا فَلْيَعْمَـلْ الْعَامِلُـونَ } . سورة الصافات / آية : 61 .
وقـال تعالـى : { خِتَامُـهُ مِسْـكٌ وَفِـي ذَلِـكَ فَلْيَتَنَافَـسِ المُتَنَافِسُـونَ } . سورة المطففين / آية : 26 .
فالتنافـس علـى الآخـرة لا يجلـب حسـدًا ولا حقـدًا ولا ضغائـن ولا بغيـًا ، وإنمـا يثمــر حبًّـا صادقـًا
وتآلفًـا وإخـاءً .
ومـن أعظـم وأهـم أسـباب العـلاج أن نعلـم حرمـة المسـلم وحرمـة البغـي والاسـتطالة عليـه أيًّـا مـن
كـان ، فنتعامـل بشـرع الله مـع مـن عاملنـا بـه ومـع مـن لـم يعاملنـا ، فمـا عاقبـتَ مَـنْ لـم يتـق
الله فيـك بمثـل أن تتقـي الله فيـه .
والحـذر واجـب فـي تنـاول أحــوال المخالفيــن مـن الوقـوع فـي الغيبــة باسـم النصيحـة ، ومِـن
تَلَمُّـس العثـرات والفــرح بالسـقطات تحـت شـعار بيـان الحــق ، ومـن خديعــة الشـيطان بالتنافـس
علـى المنـازل والرياسـات الدنيويـة تحـت شـعار الحـرص علـى الأمـر بالمعـروف .
فقه الخلاف ... / ص : 47 / بتصرف .
2ـ الجهـل ونقـص العلـم وظهـور البـدع واختـلاف المناهـج .
مـن أعظـم أسـباب الخـلاف المذمـوم انتشـار الجهـل ونقـص العلـم .
ولقـد كـان أول شـرك وقـع علـى ظهـر الأرض بسـبب نقـص العلـم بمـوت العلمـاء ، فبـدأت البـدع
فـي الظهـور .
* فعـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ ، صــارت الأوثـان التـي كانـت فـي قــوم نـوح فـي العــرب
بعـدُ ، أمَّـا وَدٌّ كانـت لِكَلْـبٍ بدومـةِ الجنـدل ، وأمـا سُـوَاعٌ كانـت لهُذَيْـلٍ ، وأمـا يغـوثُ فكانـت
لِمُـرَادٍ ثـم لبنـي غُطَيْـفٍ بالجـرفِ عنـد سـبأٍ (1) ، وأمـا يعـوقُ فكانـت لِهَمْـدَانَ ، وأمـا نَسْـرٌ فكانـت
لِحِمْيَـرَ لآل ذي الكَـلاع أسـماءُ رجـالٍ صالحيـن مـن قـوم نـوحٍ ، فلمـا هلكـوا أوحَـى الشـيطان إلـى
قومهـم أن انصِبُـوا إلـى مجالسـهم التـي كانـوا يجلِسـون أنصابـًا وسـمُّوها بأسـمائهم ، ففعلـوا فلـم
تُعبـدْ حتـى إذا هلـك أولئـك وتَنَسَّـخَ العلـمُ عُبـدَتْ .
صحيح البخاري . متون / ( 65 ) كتاب : تفسير القرآن / ( 71 ) سورة نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 596 .
o تعقيـــب :
ــــــــ
إن مـن السـهل علـى مـن يختلـس درهمـًا أن يسـرق آلاف الدراهـم ، فـإن فـي السـرقة تعديًّـا لحـدود الله ، وكذلـك شـأن المبتـدع تهـون عليـه كبـار البـدع ـ وربمـا الشـرك بالله ـ إذ مبـدأ التنكّـب عـن السـنة والرضـا بالبدعـة ؛ سـبيل إلـى قبــول كـل ضـلال وزيـغ ، كمـا وقـع الشـرك فـي قـوم نـوح ، مـن اتخـاذ أصنـام لبعـض الرجـال الصالحيـن بعـد موتهـم ، وزيـن لهـم الشـيطان ذلـك ليذكُروهـم ويقتـدوا بأعمالهـم الطيبـة ، ثـم أوحـى لمـن بعدَهـم أن يعبدوهـم مـن دون الله سـبحانه موهمًـا إياهـم أن آباءهـم كانـوا يفعلـون ذلـك مـن قبـل .
وصية مودِّع / العوايشة / ص : 45 .
----------------------------------
( 1 ) بالجرف عند سبأٍ ---> وردت هكذا في فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 8 / ( 65 ) كتاب التفسير / ( 71 ) سورة
نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 535 .
وهذا هو الصواب .
والخطأ ما ورد بطبعة دار ابن الهيثم [ متون ] وهو ( بالجوف عند سبإٍ ) .
o العـــلاج :
ــــــــ
الانتصـار للسـنة ومحاربـة البدعـة وقمعهـا ، ولـن يتحقـق ذلـك إلا بنشـر العلـم بالكتـاب والسـنة
علـى نهـج أهـل السـنة والسـلف رضـوان الله عليهـم .
وإليـك قاعــدة نبويـة ذهبيـة فـي مواجهـة الخــلاف :
* فعـن العربـاض بـن سـارية ، قـال : وعظنـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يومـًا بعـد صـلاة
الغـداة موعظـةً بليغـةً ذرفـت منهـا العيـون ووجلـت منهـا القلـوب ، فقـال رجـل : إن هـذه موعظـة
مـودع فمـاذا تعهـد إلينـا يـا رسـول الله ؟
قـال : " أوصيكـم بتقـوى الله والسـمع والطاعـة ، وإنْ عبـد حبشـي ، فإنـه مـن يعـش منكـم يـرى
اختلافـًا كثيـرًا ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور فإنهـا ضلالـة فمـن أدرك ذلـك منكـم فعليـه بسـنتي وسـنة
الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، عَضُّـوا عليهـا بالنَّوَاجِـذ " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 39 ) ـ كتاب : العلم عن رسول الله /
( 16 ) ـ باب : ما جاء في الأخذ بالسنة ... / حديث رقم : 2676 / ص : 603 . صحيح .
تأمـل كيـف قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" عَضـوا عليهـا بالنواجـذ " فـإن السـنة سـوف تحـارب ويحـاول أهـل البـدع نزعهـا مـن المتمسـكين
بهـا ، والواجـب فـي عـلاج هـذه الفُرْقَـة شـدة التمسـك بالسـنة ، والحـذر مـن البـدع .
وهـذه هـي القاعـدة النبويـة الذهبيـة فـي مواجهـة الاختـلاف ، وهـي عقيـدة أهـل السـنة فـي
التمسـك بالسـنة علـى طريقـة السـلف رضـوان الله عليهـم .
فقه الخلاف ... / ص : 49 / بتصرف .
3ـ ظهــور رؤوس الضــلال الدعـاة علـى أبـواب جهنـم .
وهـم الذيـن يدعـون إلـى بدعـة أو ضـلال آخـر كالخـوارج والقرامطـة وأصحـاب المحنـة .
* قـال ابـن ماجـه فـي سـننه : حدثنـا علـي بـن محمـد ، قـال : حدثنـا الوليـد بـن مسـلم ، قـال :
حدثنـي عبـد الرحمـن بـن يزيـد بـن جابـر ، قـال : حدثنـي بُسْـرُ بـن عُبيـد الله ، قـال : حدثنـي
أبـو إدريـس الخولانـي ؛ أنـه سـمع حذيفـة بـن اليمـان يقـول : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ : " يكـون دعـاة على أبـواب جهنـمَ مـن أجابهـم إليهـا قذفـوه فيهـا " ، قلـتُ : يـا رسـول الله !
صِفهـم لنـا 0 قـال : " هم قـوم مـن جِلْدَتِنَـا ، يتكلمـون بألسـنتنا " . قلـتُ : فمـا تأمُرُنـي إن أدركنـي
ذلـك ؟ . قـال : " فالـزم جماعـة المسـلمين وإمامَهُـم ، فـإن لـم يكـن لهـم جماعـة ولا إمـام ، فاعتـزل
تلـك الفِـرَقَ كلَّهـا ، ولـو أن تَعَـضَّ بأصـل شـجرة حتـى يدركَـك المـوتُ وأنـت كذلـك " .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 36 ) ـ كتاب : الفتن / ( 13 ) ـ
باب : العُزْلَة / حديث رقم : 3979 / ص : 657 / صحيح .
o العـــلاج :
ــــــــ
ـ نشـر العلـم والمنهـج الصحيـح ، للتمييـز بيـن الحـق والباطـل .
4ـ التعصــب المذمــوم للأســماء والأشـخاص وضعـف الـولاء علـى الكتـاب والسـنة .
كثيـر مـن المسـلمين اليـوم يتعصـب لعالـم معيـن أو بلـد معيـن ... ينصـر علـى ذلـك ، ويغضـب
علـى ذلـك ، يتغاضـى عـن المخالفـات التـي تصـدر مـن هـذا العالـم أو مـن هـذا البلـد .
وقـد حذرنـا الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن دعــوى الجاهليـة ـ أي التحــزب والتعصـب
لفئــة مسـلمة دون أخـرى بالباطـل ـ ، لمـا تنـادى المهاجريـن يا للمهاجريـن ، وتنـادى الأنصـار يا
للأنصـار ، قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : مـا بـال دعـوى الجاهليـة . دعوهـا فإنهــا
منتنـة " .
..... قـال : سَـمِعَ عمـرٌو جابـرَ بـنَ عبـدِ الله يقـول :
كنـا مـع النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي غَـزَاة . فكسـع رجـلٌ مـن المهاجريـن رجـلاً مـن
الأنصـار 0 فقـال الأنصـاريُّ : يـا للأنصـار ! وقـال المهاجـريُّ : يـا للمهاجريـن ! .
فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " مـا بـالُ دعـوى الجاهليـة ؟ " . قالـوا : يـا رسـول اللهِ !
كسَـعَ رجـلٌ مـن المهاجريـن رجـلاً مـن الأنصـار . فقـال : " دَعُوهَـا . فإنها مُنْتِنَـةٌ ... " . الحديث .
صحيح مسلم . متون / ( 45 ) ـ كتاب : البر والصلة والآداب / ( 16 ) ـ باب : نصر
الأخ ظالمًا أو مظلومًا / حديث رقم : 63 ـ ( 2584 ) / ص : 659 .
مـع أن المهاجريـن والأنصـار مـن أشـرف الأسـماء ، وهـي مـن الأسـماء التـي سـماها الله فـي كتابـه ، وسـماهم بهـا الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي سـنته ، ومـع ذلـك حيـن صـارت شـعارًا ينتصـر النـاس لـه دون تبيـن المُحِـق مِـنَ المُبْطَِـل ، صـارت جاهليـة .
وهـذا للأسـف كثيـر بيـن النـاس اليــوم ، يتعصـب النـاس لجماعـة معينـة أو لعالِـم معيـن ، أو لبلـد معيـن ، ينصــر علـى ذلـك ، ويغضـب علـى ذلـك ، يتغاضـى عـن المخالفــات التـي تصــدر مـن جماعتـه أو طائفتـه ، ويعظـم مـا يصـدر مـن غيرهـم .
ولاشـك أن هـذه الأمـراض تؤثـر علـى القلـب وإخلاصـه ونصيحتـه لله وكتابـه ولرسـوله وللمؤمنيـن ،
وتفتـح بـاب الفتـن .
والانتسـاب إلـى أسـماء معينـة كالانتسـاب إلـى بلـد أو عالـم أو طائفـة ليـس بمحـرم فـي الشـرع ،
فـإن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمـا لحـظ بدايـة ظهـور دعـوى الجاهليـة بيـن المهاجريـن
والأنصـار لـم يعالجـه بتحريـم الانتسـاب إلـى هـذه الأسـماء ، بـل بتحذيرهـم مـن حقيقـة دعـوى
الجاهليـة ، وهـي الانتصـار للأسـماء دون معرفـة الحـق .
وهـذه هـي التربيـة الواجبـة التـي يجـب أن يتربـى عليهـا المسـلمون ، ولا يـزال العلمـاء ينتسـبون
إلـى بلادهـم .
كالمدنـي ، والمصـري ، والخراسـاني ، والنـووي ، والعسـقلاني ، وإلـى مذاهـب أئمتهـم : كالشـافعي ،
والمالكـي ، ... .
ولـم ينكـر العلمـاء التسـمية ، ولـم يحرموهـا حتـى بعـد ظهـور العصبيـة ، بـل تُحـارب العصبيـة
دون تحريـم مـا أحلـه الله .
العـــلاج :
ــــــــ
تعميـق الـولاء علـى الكتـاب والسـنة ، ويتحقـق ذلـك بقبـول الحـق والمعاونـة عليـه ممـن جـاء
بـه وعلمـه كائنًـا مـن كـان ، فالرجـال يُعْرَفـون بالحـق ، ولا يُعْـرَف الحـق بالرجـال .
فقه الخلاف ... / ص : 59 .
* أمثلــة للاختــلاف غيــر الســائغ :
===================
أولاً : الخــلاف غيـر الســائغ فـي الأمــور الاعتقاديــة :
*********************************
ـ غـلاة النفـي والتعطيـل فـي أسـماء الله وصفاتـه وغيرهـم ، المكذبيـن لصريـح القـرآن كمـن يقـول :
لـم يكلـم ـ الله ـ موسـى تكليمًـا نفيًـا لصفـة الكـلام ، ويقـول يـد الله أي قدرتـه خلافًـا للحـق ، ولـم
يتخـذ ـ سـبحانه ـ إبراهيـم خليـلاً .
ـ غـلاة القدريـة الأوائـل نفـاة العلـم الإلهـي ، الذيـن يقولـون أن الله لا يعلـم الأشـياء حتـى تقـع .
ـ مـن يعتقـدون أن الشـريعة الإسـلامية غيـر صالحـة ، إمـا مطلقًـا ، أو يعتقـدون أنهـا غيـر صالحـة
لهـذا الزمـان ويُفَضَّـل عليهـا شـرائع البشـر الوضعيـة ، أو يسـاويها بهـا ، أو يجوزهـا ، أو يلـزم
الكافـة بهـا ويحـرم عليهـم شـرع الله تعالـى .
ثانيًــا : الخــلاف غيــر الســائغ فـي المســائل العمليــة :
******************************
ـ منـه القـول بجـواز المعـازف وسـماعها ، رغـم الأدلـة القاطعـة علـى عـدم الجـواز .
قـال البخـاري فـي صحيحـه تعليقًـا بصيغـة الجـزم :
وقـال هشـام بـنُ عَمــارٍ : حدثنـا صَدَقَـةُ بـنُ خالـدٍ ، قـال : حدثنـا عبـد الرحمـن بـنُ يزيـدَ بـنِ
جابـرٍ ، قـال : حدثنـا عطيـةُ بـنُ قيـسٍ الكِلاَبـيُّ ، قـال : حدثنـا عبـدُ الرحمـنِ بـنُ غَنْـمٍ الأشـعريُّ ،
قـال : حدثنـي أبـو عامـرٍ ـ أو أبـو مالـكٍ ـ الأشـعريُّ ، والله مـا كَذَبَنِـي سـمع النبـي ـ صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ـ يقـول :
" ليكونـنَّ مـن أمتـي أقـوامٌ يسـتحلون الحِـرَ والحريـرَ والخمـرَ والمعـازِفَ ، ولينزلـنَّ أقـوامٌ إلـى جنـبِ عَلَـمٍ يَـرُوحُ عليهـم بسـارحةٍ لهـم يأتيهـم ـ يعنـي الفقيـر ـ لحاجـةٍ فيقولـون : ارجـع إلينـا غـدًا فيبيتهـم الله ، ويَضَـعُ العَلَـمَ ، ويمسَـخُ آخريـن قـردة وخنازيـرَ إلـى يـوم القيامـة " .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 10 / 74 ـ كتاب الأشربة / 6 ـ باب ما جاء
فيمن يستحلُّ الخمرَ ويسميه بغير اسمه / حديث رقم : 5590 / ص : 53 .
وورد فـي فتـح البـاري بشـرح صحيـح البخـاري / ج : 10 / ... / ص : 54 :
* قـال ابـن الصـلاح فـي " علـوم الحديـث " :
" ... الحديـث مـن جهـة أن البخـاري أورده قائـلاً " قـال هشـام بـن عمـار " وسـاقه بإسـناده ، فزعـم ابـن حـزم أنـه منقطـع فيمـا بيـن البخـاري وهشـام وجعلـه جوابًـا عـن الاحتجـاج بـه علـى تحريـم المعـازف ، وأخطـأ في ذلـك من وجـوه والحديـث صحيـح معـروف الاتصـال بشـرط الصحيـح ، ... " .
* وقـد تقـرر عنـد الحفـاظ أن الـذي يأتـي بـه البخـاري مـن التعاليـق بصيغـة الجـزم يكـون صحيحًـا إلـى مـن علـق عنـه ولـو لـم يكـن مـن شـيوخه ، لكـن إذا وجـد الحديـث المعلـق مـن روايـة بعـض الحفـاظ موصـولاً إلـى مـن علقـه بشـرط الصحـة أزال الإشـكال . ا . هـ .
ـ مـن هـذا النـوع مـن الخـلاف القـول بجـواز ربـا الفضـل وأن المحـرَّم هـو ربـا النسـيئة فقـط وقـد اسـتفاضت الأحاديـث بتحريمـه .
* ربـا النسـيئة :
هـو بيـع الجنـس الواحـد ببعضـه ، أو بجنـس آخـر مـع زيـادة فـي الكيـل أو الـوزن فـي نظيـر تأخيـر القبـض . ( خـاص بالزمـن )
صحيح فقه السنة / ج : 4 / ص : 291 .
النسـيئة : يعنـي التأخيـر .
الشرح الممتِع ... / ج : 8 / كتاب : البيع / باب : الربا والصرف / ص : 427 .
* ربـا الفضـل :
هـو بيـع جنـس بمثلـه مـع زيـادة أحـد المثليـن . ( خـاص بالكـمّ )
صحيح فقه السنة / ج : 4 / ص : 291 / بتصرف .
* فعـن أبـي سـعيد الخـدري ـ رضي الله عنه ـ : أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لا تبيعـوا الذهـبَ بالذهـب إلا مِثـلاً بِمثـلٍ . ولا تُشِـفُّوا (1) بعضهـا علـى بعـض . ولا تبيعـوا الـوَرِقَ (2) بالـورق إلا
مِثـلاً بمثـلٍ . ولا تُشِـفُّوا بعضهـا علـى بعـضٍ 0 [ ولا تبيعـوا منهـا غائبًـا بناجِـزٍ (3) ] " (4) .
صحيح مسلم . متون / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 14 ) ـ باب : الربا / حديث رقم : 1584 / ص : 404 .
( 1 ) لا تُشِـفُّوا : أي لا تفضلـوا ويطلـق أيضًـا علـى النقصـان فهـو مـن الأضـداد .
( 2 ) الـورق : الفضـة .
( 3 ) ولا تبيعـوا منهـا غائبًـا بناجـز : الغائـب المؤجـل . الناجـز : الحاضـر .
وفـي روايـة عنـد مسـلم أيضًـا ـ فـي الحديـث الـذي يليـه ـ : " ... ولا تبيعـوا شـيئًا غائبًـا منـه
بناجـز إلا يـدًا بيـد " .
صحيح مسلم . بشرح ... النووي / ج : 11 / كتاب : البيوع / ( 14 ) ـ باب : الربا / ص : 14 .
هـذا الحديـث ينهـى عـن الربـا بنوعيـه : الفضـل ، والنسـيئة .
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام / ج : 2 / ص : 309 .
( 4 ) مـا بيـن المعكوفتيـن ---> ربـا نسـيئة .
o فائـــدة :
ـــــــ
كـل شـيئين يجـري بينهمـا ربـا الفضـل فبينهمـا ربـا نسـيئة ولا عكـس .
الشرح الممتع على زاد المستقنع / ج : 8 / كتاب : البيع / باب : الربا والصرف / ص : 427 .
ـ ومنـه أي مـن هـذا النــوع مـن الخـلاف ـ القــول بجـواز نكــاح المتعــة ، وهـو قــول ابـن
عبـاس ، ويُـروى رجوعـه عنـه .
وقـد ثبـت النهـي عنـه ـ أي النهـي عـن نكــاح المتعـة ـ فـي الصحيحيـن ، ونسـخ جـوازه عـام
الفتـح ، وأجمـع أهـل السـنة ـ على نسـخه وعـدم جـوازه ـ ولـم يخالـف فيـه إلا الشـيعة والروافـض .
فقه الخلاف ... / ص : 78 / بتصرف يسير .
* نكـاح المتعـة :
هـو النكـاح إلـى أجـلٍ معيـن ، وهـو مـن التمتـع بالشـيء ـ أي ـ الانتفـاع بـه .
وقـد كـان رخَّـص فيهـا صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم أيامًـا ، ثـم نهـى عنـه .
* عـن الربيـع بـن سَـبْرةَ أن أبـاه غـزا مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فتْـح مكـةَ قـال :
فأقمنـا بهـا خمـس عشـرة ـ ( ثلاثيـن بيـن ليلـة ويـوم ) ـ ، فـأذِنَ لنـا رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ فـي متعـة النسـاء ، ... ، فلـم أخـرج حتـى حرَّمهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " .
صحيح مسلم . متون / دار ابن الهيثم / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 3 ) ـ باب : نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ،
ثم أبيح ثم نسخ ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة / حديث رقم : 20 ـ ( 1406 ) / ص : 344 .
ـ ... ، قـال حدثنـي الرَّبِيـعُ بـنُ سَـبْرَةَ الْجُهَنِـيُّ عـن أبيـه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
نهـى عـن المتعـة .
وقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسلم : " ألا إنهـا حـرام مـن يومكـم هـذا إلـى يـوم القيامـة . ومـن
كـان أعطـى شـيئًا فـلا يأخـذه " .
صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 3 ) ـ باب : نكاح المتعة 000 / حديث رقم : 28 ـ ( 1406 ) / ص : 345 .
وجـاء فـي " السـيل الجـرار " ( 2 / 268 ) :
" ثـم قـد أجمـع المسـلمون علـى التحريــم ، ولـم يبــق علـى الجـواز إلا الرافضـة ، وليسـوا ممـن
يُحتـاج إلـى دفـع أقوالهـم ، ولا هـم ممـن يقــدح فـي الإجمـاع ، فإنهـم فـي غالـب مـا هـم عليـه
مخالفـون للكتـاب والسـنة ولجميـع المسـلمين .
قـال ابـن المنـذر :
جـاء عـن الأوائــل الرخصـة فيهـا ـ يعنـي المتعــة ـ ، ولا أعلـم اليـوم أحـدًا يجيزهـا إلا بعـض
الرافضـة .
وقـال القاضـي عيـاض :
أجمـع العلمـاء علـى تحريمهـا إلا الروافـض ... " . ا . هـ .
الموسوعة الفقهية الميسرة ... / ج : 5 / ص : 49 .
ـ ومنـه القــول بكراهيـة صيـام السـتة أيـام مـن شـوال وهـذه أقـوال مخالفـة لنصـوص السـنة
الصحيحـة .
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " مـن صـام رمضـانَ وأتبعـه سِـتًّا مـن شـوال ، كـان
كصيـام الدهـرِ " .
صحيح مسلم . متون / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 39 ) ـ باب : استحباب صوم ستة أيام من شوال
إتباعًا لرمضان / حديث رقم : 204 ـ ( 1164 ) / ص : 280 .
ـ ومنـه القـول بجـواز الاحتفـال بالموالـد والأعيـاد البدعيـة ، والمشـاركة فيهـا بزعـم الاختـلاط
بالنـاس لدعوتهـم ، دون إنكـار ، والمشـاركة فـي البـدع بزعـم أن البـدع الإضافيـة (1) محـل اجتهـاد
فيسـوغ فعلهـا .
ونسـوا قاعـدة فقهيـة هامـة وهـي : درء المفاسـد مقـدم علـى جلـب المصالـح .
فقه الخلاف ... / ص : 75 ـ 77 / بتصرف .
---------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) البدعة الإضافية هي التي لها شائبتان :
إحداهما : لها من الأدلة متعلق ، فلا تكون من تلك الجهة بدعة .
والأخرى : ليس لها متعلق ، إلا مثل ما للبدعة الحقيقية .
علم أصول البدع ... / علي حسن عبد الحميد / ص : 148 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق