العليم : اسم من أسماء الله الحسنى .
المعنى اللغوي :
العلم : نقيض الجهل .
وعَلِمتُ الشيء : عرفته وخبرته ، وعَلِمَ بالشيء : شعر به . والعليم على وزن فعيل من أبنية المبالغة .النهج الأسمى / ج : 213 .
المعنى في حق الله :
قال ابن منظور " فهو الله العالم بما كان وما يكون قبل كونه ، ..... لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها ، دقيقها وجليلها ..... " . ا.هـ.
فإحاطة علمه إحاطة كاملة تامة فلا يخلو عن علمه مكان ولا زمان، يعلم ما في السماء والأرض، الجلي والخفي، والغيب والشهادة، والظاهر والباطن.
وقال الشيخ السعدي " وهو الذي أحاطَ علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان ، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات وبالعالم العلوي والسفلي ، وبالماضي والحاضر والمستقبل ، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء . تيسير الكريم : 5 / 299 .
الأشياء في حكم العقل ثلاثة : واجب وممكن وممتنع. فالواجب ما لا يقبل الحدوث ولا العدم ، والممكن : ما يقبل الوجود والعدم ، والممتنع : ما لا يقبل الوجود" انتهى من "شرح الرسالة التدمرية" للشيخ عبد الرحمن البراك ، ص 96 .
و "واجب الوجود" هو الشيء الذي يكون موجودًا بذاته، ولا يفتقر في وجوده إلي غيره، ولا يتوقّف وجوده علي وجود موجود آخر.وهذا لا يكون إلا في حق الله عز وجل.
ممكن الوجود" هو الشيء الذي تكون نسبة كلّ من "الوجود" و "العدم" إليه متساوية، فهو قد يكون "موجودًا" وقد يكون "معدومًا". وهذا في المخلوقات بذواتها وأوصافها وأفعالها ..
و"ممتنع الوجود" هو الذي يستدعي من صميم ذاته عدم وجوده، فلا يحتاج إلي علّة في اتّصافه بالعدم.
كقوله تعالى " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا ." الأنبياء : 22. فهذا فساد لم يقع لأنه مترتب على ممتنع وهو وجود إله مع الله ، فلو وقع هذا الممتنع لوقع هذا الفساد .
* ورَدَ اسمُهُ تعالى " العليم " في مائة وسبع وخمسين موضعًا من كتاب الله ، منها "قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " .سورة البقرة / آية : 32 .
" وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " .سورة آل عمران / آية : 154 .
عن أَبَان بن عثمان قال : سمعت عثمانَ بن عفانَ ـ رضي الله عنه ـ يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم"ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ ثلاثَ مرَّاتٍ إلا لم يضرَّهُ شيءٌ" . صحيح سنن ابن ماجه.
وكان أَبَان قد أصابه طَرَفُ فالج ، فجعل الرجلُ ينظر إليه ، فقال أبانُ : ما تنظر ؟ أمَّا إنَّ الحديث كما حدثتكَ ، ولكني لم أَقُلْهُ يومئذ ليمضيَ اللهُ قدَرَهُ ..
فهو سبحانه " العليم " الذي لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عن علمه شيء جل أو صغر ، وعنده علم الغيب وعلم الساعة ، ويعلم ما في الأرحام . فسبحانه
يعلم ما في صحاري الأرض من رمال ، وعدد ما في بحار الدنيا من قطرات ، وعدد
ما في الأشجار من ورقات وعدد ما في الأغصان من ثمار ، وما في السنابل من
حبوب وما في رؤوس البشر وجلودهم من شعر ،وخفايا الضمائر والنفوس."وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ " ق: 16.أي ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدِّث به نفسه، فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه.تفسير الطبري.
"وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ"البقرة: 235.
"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"غافر:19.
يخبر
تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ، جليلها وحقيرها ، صغيرها
وكبيرها ، دقيقها ولطيفها ، ليحذر الناس علمه فيهم ، فيستحيوا من الله حق
الحياء ، ويتقوه حق تقواه ، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ، فإنه تعالى
يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور
من الضمائر والسرائر .تفسير ابن كثير.
أين المفر؟ أعوذ بالله من شرور أنفسنا.
وعلمه سبحانه محيط بالأمس واليوم والغد ، بالظاهر والباطن ، بالدنيا والآخرة .
سبحانه يحصي أعمالنا " ... أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ ... "سورة المجادلة / آية : 6 . الماضية ساعة ساعة ، وأحوال العالم الغابر دولة دولة ، وحادثة حادثة .
قال تعالى"قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى* الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا
وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن
نَّبَاتٍ شَتَّى" . سورة طه / آية : 51 ، 52
فالمشهود والغيب لديه سواء ، والقريب والبعيد ،والقاصي والداني .
سبحانك ربي ما أعظم شأنك !
تُرى كم عدد حيوانات البحر الأحمر أو الأبيض أو هما معا ؟ ! ترى كم حبات الرمل في البر والبحر!.؟
تُرى كم هو عدد حيوانات بحار الدنيا ومحيطاتها وأنهارها وبحيراتها .
تُرى
كم كلمة خرجت من فمك منذ ولادتك إلى هذه اللحظة وإلى أن تموت ؟ ! وكم عدد
الكلمات التي خرجت من أهل الأرض والسماء إِنْهَا وجِنّهَا وملائكتها .
فلنتأمل علم الله " العليم " من حديث الخضر مع موسى عليهما السلام " ...فَلَمَّا
رَكِبَا في السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ علَى حَرْفِ
السَّفِينَةِ فَنَقَرَ في البَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قالَ له
الخَضِرُ يا مُوسَى ما نَقَصَ عِلْمِي وعِلْمُكَ مِن عِلْمِ اللَّهِ إلَّا
مِثْلَ ما نَقَصَ هذا العُصْفُورُ بمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ،... " .رواه البخاري :3401 . فعلم الله لا يعتريه نقص أبدًا .
قال الشيخ العثيمين في ـ رسالته ـ القواعد المثلى / ص : 9 :
" العليم " اسم من أسماء الله متضمن للعلم الكامل الذي لم يُسبق بجهل ولا يلحقه نسيان .
العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا ، سواء ما يتعلق بأفعاله أو أفعال خلقه ... " .
اسم الله العليم تشتق منه صفة متعدية للخلق ،لذا فأركان الإيمان به ثلاثة:
1 ـ الإيمان بأن " العليم " اسم من أسماء الله الحسنى .
2 ـ الإيمان بالصفة المشتقة من هذا العلم " ذو علم " . فنثبت لله صفة العلم حقيقة ، ونفوض الكيف .
3 ـ الإيمان بمقتضى وآثار هذا الاسم على الخلق : منها قوله تعالى"وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا" . سورة البقرة 31.
فعليك أن تؤمن بأنه عليم، وذو علم عظيم، ومحيط بكل شيء علمًا ويُعَلِّم عبادَهُ.
* دعاء العبادة باسمه " العليم "
المقصود بدعاء العبادة هو أثر أسماء الله - عز وجل - على اعتقاد العبد وأقواله وأفعاله بحيث يراعي في سلوكه توحيد العبودية لله في كل اسم أو وصف لله ، فهو دعاء بلسان الحال بحيث تنطق أفعاله أنه لا معبود بحق سواه وأنه بفعله هذا يشهد ألا إله إلا الله، وهكذا يراعي كل اسم من أسماء الله في سلوكه دعاء وتعظيما وخشية وإجلالا .
إذا علم المخلوق أنه سبحانه يعلم السر وأخفى ، ويعلم ما تخفي الصدور فإنه في ذلك تنبيه للعاقل وتذكير ، كي يعبد الله ويدعوه دعاء عبادة بمقتضى اسمه العليم فيراقب نفسه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال ، لأن خالقه لا يخفى عليه شيء منها ، وأنه سبحانه عليم بها محصيها عليه ثم يجازى بها في الآخرة ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر .
ومتى آمن الناس بذلك وتذكروه ، فإن أحوالهم تتغير من القبيح إلى الحَسَن ، ومن الشر إلى الخير .
وإذا نسوا ذلك وتناسوه وغفلوا عنه ، ففي ذلك ما يكفي لفساد الدنيا وخرابها ، والناظر في أحوال الناس يرى ذلك واضحًا جليًّا .النهج الأسمى / ج : 1 / ص : 232 .
o فائدة :
الفرق بين " العلم " و " المعرفة " :
أولًا: التعريف:
المعرفة : إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره،وهو أخص من العلم.
أما العلم:فهو إدراك الشيء مجملًا ،وهو أعم من المعرفة،وضده الجهل.
ثانيًا: المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل إليه بتفكر وتدبر لآثاره.
أما العلم: فيستعمل في مطلق إدراك الشيء.
ويترتب على هذا: لا يجوز أن يقال الله يعرف كذا ،لأن المعرفة علم قاصر يتوصل إليه بإعمال الفكر.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى لنفسه اسم " العليم " ، ووصف نفسه بما تصرف منه ، مثل : عالم "عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ"الرعد:9 ، عَلاَّم "قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ"سبأ:48 ، عليم "إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " الملك:13 ، عَلِمَ " عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ" المزمل:20، يعلم "يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى "طه:7 .
وأخبر تعالى أن له " علمًا " دون لفظ " المعرفة " ، في القرآن .
ومعلوم أن الاسم الذي اختاره اللهُ لنفسه ، أكمل من نوعه المشارك له في معناه .
عَلَّمْتَ كلبك فهو يترك شهوته في تناول ما صاده ، احترامًا لنعمتك ، وخوفًا من سطوتك .
وكم علمك مُعَلِّمٌ الشرعَ ، وأنت لا تقبل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق